2013-12-13 | 07:23 مقالات

فسحة.. على رحلات السعودية

مشاركة الخبر      

احتفظ بذكريات جميلة لمتعة كنت أشعر بها في تلك المرات القليلة التي كنت فيها على متن طائرات (خطوطنا السعودية) في رحلة داخلية.. ذاك زمن قديم ولى ولم تبق منه غير الذكرى تصيبني اليوم بالحسرة كلما جاء (المضيف) ليقدم لي وجبة (الضيافة).. ساندويتش.. نعم (شاطر ومشطور) ولا تسأل عن طازج بينهما لأن الكل مبرد وليس أمامك خيار آخر سوى قطعة من (الكعك).. هذه الوجبة المختزلة في رحلة من الدمام إلى جدة أو العكس تحضر في أوقات كثيرة.. خذ مثلاً الساعة العاشرة مساءً.. وقت العشاء المبكر للمواطن السعودي بل ولأكثر المقيمين الذين تشكلوا بطباعنا.. كم أشعر بالحزن على طاقم الضيافة وهما يقدمان تلك الوجبة الفقيرة مع كأس صغير من العصير.. يكرمان بها راكباً ربما عانى طويلاً قبل أن يصل إلى مقعده.. ولا حاجة لي لاستحضار ألوان المعاناة لأنكم لا تجهلونها.. دعوني أكمل حكاية الوجبات التي تُقدم على الرحلات الداخلية لشركة تحمل اسم (الوطن) وترسم بها صورة لا تشبهنا، ربما ساهمت في تحول عجيب في قيمنا وثقافتنا الأصيلة، نخسر معها آخر ما يمكن أن يمنحنا تفرداً ايجابياً لدى أولئك الذين سبقونا حضارياً..

ذاك الساندويتش الطويل العريض المصاب بـ (الجفاف) - الذي اكتشفت مؤخراً أنه بات يقدم في كل الأوقات - لا يصلح أن يكون مثالاً لكرم (الضيافة) على درجة تحملها اسماً.. واقع الخدمة على درجة (الضيافة) يبدو أشبه بأساليب بعض رؤساء الأندية في السخرية من الحكام المحليين.. ولو عينت في (فريق سكاي) الذي تتغنى الخطوط السعودية بالانتماء لعضويته لحاسبت القائمين على التموين لأنهم وبشهادة كثيرين قد أثبتوا بأنهم فضلاً عن افتقادهم لقيم الضيافة العربية يعانون من ضعف واضح في حاسة التذوق، ويصرون على التميز باختراع الأسوأ.. شاب صغير أسمراني كان يجلس بجواري قلت له بعد أن أمسك كل واحد منا سندويتشه الجاف وراح يبلله بشيء من العصير المقدم باقتصاد كبير في ذلك الكوب الصغير.. قلت له ساخراً: انظر حولك.. إنها - يا صاحبي - أجواء (الفسحة) تحرص السعودية على أن تذكرنا بها وبالمدرسة التي (كرهناها).. هز صاحبي الأسمراني رأسه ضاحكاً.. ثم سرعان ما ذهب في سابع نومة.. أكملت الساندويتش الخطير وأنهيته مع آخر رشفة من العصير، وأتممت عملية البلع، ثم أخذني ما أخذ صاحبي قبل أن تأتي المضيفة لتوقظني وتطلب مني إعادة ظهر المقعد لمكانه الطبيعي، كما طلبت مني أيضاً أن أوقظ جاري، وقبل أن أفعل كان صاحبي الأسمراني (يتمطط) وهو مصحصح على الآخر عرفت ذلك حين قال لي ساخراً: هل انتهت الفسحة.. قلت ضاحكا: نعم، صح النوم، لقد اقترب وقت (الصرفة).. ضحكنا طويلاً قبل أن تهبط الطائرة بسلام على المدرج ويأتينا صوت المتحدث الداخلي وهو يعلن عن الوصول ويهنئنا بالسلامة ويشكرنا على اختيار الخطوط السعودية (عضو سكاي تيم)..