لم يعد الأمر مضحكاً
معروف عنا معشر (العربان) أن صدورنا تضيق بالانتظار.. لم نألفه؛ لذا نسعى أبداً لتجنبه بإنجاز الأمر بـ (الواسطة) إن كان ضرورياً، وإن لم يكن؛ صرفنا النظر عنه.. أما الغربيون فلا يملون الانتظار.. نعم، طوابير الانتظار إدمان غربي مشاهد.. وهم راكبين للسيارات - في أوقات اشتداد الزحام عند خروج الطلبة لمدارسهم وجامعاتهم والعاملين لأعمالهم - وكذلك عند العودة إلى المنازل.. إضافة إلى أوقات الخروج للتنزه في الإجازات. أما الطوابير في المحلات التجارية التي تظهر بشكل كبير عند إعطاء الثمن للبائع أو كما اعتدنا أن نقول (دفع الحساب) فهي الأكثر شيوعاً وتعبيراً لهذه الظاهرة الغربية التي باتت اليوم أكثر رسوخاً.. لاحظت ذلك في زيارتي الأخيرة لـ (جلاسكو)، وتذكرت (حكاية البصلة).. لقد رواها لي بطلها صاحبنا الدكتور (طارق الأحمدي) بكلمات ساخرة تقفز من فمه.. قال والضحك يملأ عينيه: وقفت بالأمس في الصف في محل لبيع المواد الغذائية وأنا أحمل في يدي كيساً من البصل وأشياء أخرى.. كنت أتململ من الانتظار!.. ماذا أفعل؟!.. استدرت أبحث عما يشغلني حتى يأتي دوري في فإذا برجل (اسكتلندي) يقف خلفي.. تمعنت أبحث عما يحمله الرجل في يديه - في فضول عربي - فلم أر سوى شيء صغير مستدير.. دققت النظر فيه فإذا هي (بصلة)!.. عدت إلى نفسي أحدثها: هذا الصف الطويل من أجل (بصلة)!.. همّمت بإخراج واحدة من كيس البصل الذي أحمله قبل أن أتراجع خوفاً من التبعات!
(البصلة) أعادته إلى السعودية.. ربما تذكر يوم كان يذهب إلى سوق الخضار ويشتري كل ما يحتاجه من خضار وفاكهة بالصندوق، وأحياناً بالبيعة.. فرق السعر يغرينا للشراء بالجملة.. نحتاجه أحياناً وننساق إليه بلا تفكير في أحايين كثيرة!.. أكثر من نصف محتويات الصندوق تتلف، وفي أفضل الظروف تقل فائدتها فـ (نتعازم) عليها في البيت من باب المحافظة على النعمة!
الأسعار هناك في بريطانيا كانت مرتفعة ولكنها لم تتغير والمكافأة التي يتقاضاها المبتعث ومرافقيه بالريال بعد أن تحول إلى (إسترليني) ويذهب نصفها في إيجار البيت - ربما ما زالت لا تغطي احتياجات الأسرة عند الشراء بطريقة صاحب (البصلة).. هكذا (نعتقد) لأننا ربما أجرينا حساباً سريعاً يكشف لنا عن انخفاض كبير في سعر الوحدة في حالة شرائنا بالصندوق أو البيعة مقارنة بالشراء بـ (الحبة)، ولم نستحضر حاجتنا الحقيقية، وهو ما يحتم علينا إعادة النظر في الأمر.. ليس فقط عندما نكون في (الديار الغربية) بل علينا أن نعيد النظر في ثقافتنا الاستهلاكية ونحن هنا في (ربوعنا العربية)!
نعم يا صاحبي الجميل - الذي تذكرته في جلاسكو يوم وقفت على الأطلال - لم يعد الأمر مضحكاً.. خاصة ونحن نشهد عندنا اليوم هذا الارتفاع (المهول) في الأسعار!