اللاعبون.. براءة .. (ارحموهم)
ها قد خرجنا من دور المجموعات للكأس الآسيوية وللمرة الثالثة والثانية على التوالي.. هذا الخروج المؤلم يأتي في حقبة الغياب الطويل الذي امتد قرابة عقد من الزمان عن أي منجز في تلكم الاستحقاقات التي كنا دائماً (فرس الرهان) في تحقيقها.
وأحسب أن تلك الأعوام العجاف كان العمل فيها يقوم على الارتجال والاجتهاد والانغلاق.. إنه الأسلوب القديم اتبعه المسؤولين عن الرياضة ـ مثل غيرهم في المجالات الأخرى ـ عندما مُنحوا الصلاحيات ليديروا العمل وفق آلية لم تكن إلا مجرد حزمة من إجراءات تقليدية سطحية تركز على عمليات تنفيذية بحتة مثل جدولة المسابقة، وحل قضايا حقوق الأندية واللاعبين في دوري احتراف محلي يعتمد على الاستيراد ولا يسعى لصناعة (منتج) منافس يصدره للخارج في زمن مفتوح على الآخر.. تفوقت فيه بلدان أفريقيا فقيرة.. خلاصة الأمر أن تلك الجهود المبذولة ـ والتي كان يتم تعاطيها من قبل إعلام (مدرجاتي) مشحون بـ (التعصب) للنادي ـ لا تمثل في مجملها عملاً إستراتيجياً يمكن أن يدخل في إطار (التخطيط).. ذلك المبدأ الأساس لكل عمل مستقبلي يبحث عن إنجاز بمستوى (جودة) لا يحدها سقف، في تنافس (حامي الوطيس)، في لعبة باتت اليوم تستأثر على اهتمام الناس في كل أرجاء العالم.. إنها حالة من (التخبط)، ومع ذلك ظل المسؤولون عن الرياضة يسمونها (خططاً مدروسة).. ولهم أن يقولوا ذلك طالما أنها ليست منشورة على وسائل الإعلام ولم نسمع عن جهات (استشارية) معتبرة تراجعها للتأكد من صلاحيتها؛ فضلاً عن بلوغها تلك الأبعاد المتقدمة التي تساعد على تحقيق ذلك التفوق المطلوب، في ذلك التنافس الكبير الذي أغرى اليابانيين لدخوله والتفوق فيه ونجحوا إلى حد كبير.. ثم راحوا بعد ذلك يبحثون عن موقع يناسبهم في بين كبار العالم بعد أن حققوا السيادة على القارة.. كنا نهزمهم بـ (الخمسة)؛ واليوم باتوا يردونها مع الرأفة لبطل كان صرحاً شامخاً في آسيا ولكنه هوى بغياب (هوية تنموية) في بلد يملك كل مقومات التفوق وأهمها هذا الإنسان الموهوب بالفطرة.. نعم .. ما زلنا لا نحسن استثمار تلك الإمكانات الضخمة التي نمتلكها ويفتقدها غيرنا ونقبل بهذا الظهور المتواضع.. ثم نسمح لهؤلاء الإعلاميين ـ الذين لا يفهمون في الكرة ـ لكي يجردوا أبناءنا من ولائهم لبلدهم.. يحملونهم تبعات الإخفاق.. يطالبونهم بما لا يملكون.. ماذا يمكن أن يفعل لاعب ضعيف البنية.. قصير القامة ـ تغذى في المدرسة على فطيرة جبنة خالية من الجبنة ـ في صراع ثنائي على الكرة مع لاعب آخر أكثر منه قوة وقامة؟.. إنني أؤمن بالاستثناء في حالة طغيان الموهبة ورجاحة الفكر الكروي لتعويض الضعف البدني وطول القامة.. ولكنها حالات خاصة، ولدينا منها على سبيل المثال (الفرج، العابد، يحيى الشهري، ياسر الشهراني) ولكن لا يصلح أن يكون كل الفريق بهذا (التكوين المحدود).. إن هذه النوعية من اللاعبين الموهوبين تحتاج إلى تعزيز من تكامل فريق يتمتع بقية أفراده بتوازن من القوة البدنية وطوال القامة والموهبة والفكر الكروي بكل تأكيد.. ولا يصلح أن يلعبوا جميعا في وقت واحد.
إنني ألقي بجزء كبير من المسؤولية على رعاية الشباب واتحاد الكرة.. وأحمل وزارتي التعليم والصحة واتحاد الرياضة للجميع ـ إن كان هناك اتحاد بهذا الاسم ـ المسؤولية الكبرى.. وأؤكد مرة أخرى على انفلات الإعلام الرياضي السعودي الذي تفرغ للإثارة وراح يقدمها بألوان الأندية الغارقة في الذاتية دون اعتبار للموضوعية.. لقد أسقطوا المنتخب.. وغيبوا مواهب أبنائه.. وأخيراً أقول بـ (اختصار) إن الرياضة جزء من هذه الحالة التنموية المتخبطة في كثير من المجالات.. نعم.. اللاعبون بريئون من حرق دمائنا وأوجاع قلوبنا.. كفى (تجنياً).. ارحموهم.