2015-07-31 | 01:46 مقالات

أعيدوا (الريم) لـ(ثقيف)

مشاركة الخبر      

أكثر ما يميز إستراتيجيات التنمية الشاملة في الدول المتقدمة أنها تعمل على تحقيق الاستيطان لأهالي المدن الصغرى والقرى والهجر والحد من هجرتهم إلى المدن الكبرى. لذلك يتم توفير كافة متطلبات الحياة المدنية ابتداءً بالخدمات العامة والتعليم والصحة، بل واستثمار الخصائص السياحية التي تتميز بها تلك المناطق بحيث تكون عامل جذب يحقق توجهات الحكومات في تحقيق هجرة عكسية من المدن الكبرى إلى تلك القرى وبالتالي التخفيف من الكثافة السكانية التي تسبب الكثير من المعوقات المعيشية في التعليم والصحة والنقل والصحة البيئية وغيرها.
هذا التوجه الإستراتيجي استهل به اليوم ما مهدت له في الأسبوع الماضي، وأحلم من خلاله بتحول المملكة العربية السعودية (وطني الحبيب) إلى (أسد اقتصادي عالمي) لا يقبل حالة (المديونية) في ميزان مدفوعاته.. يحقق ذلك خارج حسابات البترول الذي يمثل اليوم 90% من إجمالي عوائد الصادرات. أعرف أن هذا الأمر يبدو حلماً بعيد المنال في أعين النائمين الغارقين في الاستهلاك.. ولكنني أراه واقعياً يمكن أن نراه في (عز الظهيرة) عند المخلصين من أصحاب الهمم العالية المتوثبين للإنتاج.. والسبب أننا نملك كل ما نحتاجه لإحداث تلك النهضة التنموية الحلم.. وأحلام المواطنين ليست إلا جزءاً من (الحلم الكبير) للوطن.. و(التعليم) وتوأمه (التدريب) هما اللذان أخذا بكوريا ومن قبلها اليابان إلى قمة التكنولوجيا والإتقان، وطورا تركيا وأوصلا ماليزيا إلى ما يشبه الإعجاز.. تحقق ذلك لأنهما كانا يقومان على رؤية واضحة لاحتياجات العمل، ولم يكونا يوفران في المناطق لسد الأفواه بأي شكل من الأشكال.
ها قد تضاعفت أعداد السكان في هذا الوطن المترامي الأطراف وصار التعليم الجامعي مطلباً في كل مكان، بل وأصحبت الجامعات مدناً في المدن الكبرى.. فلماذا لا نرى لها فروعاً في المدن الصغرى؛ بالشكل الذي يتناسب مع خصائصها والرؤية الاستثمارية فيها وفقاً للمتغيرات؟.. بل لماذا لا نرى هذه الفروع في القرى والهجر؟.. لماذا باتت التنمية تنتظر مطالبات أهالي تلك القرى والهجر لتتحرك للنظر في تلبية احتياجاتهم الأساسية في التعليم والتنمية البشرية التي أضحت اليوم عاملاً أساسياً يحدد فرصتهم في البقاء رغم تكلفهم واهتمامهم ببناء مساكنهم على أحدث طراز؟.. لماذا نقضي على أحلامهم في رسم (لوحة فنية) أصيلة على تراب عزيز بات جزءاً منهم؟.. هذا ما يتطلع إليه أهل (ثقيف) الوادي الذي هجرته (فتياته) بعد فتيانه بحثاً عن موقع لهن في جامعات الطائف والباحة.. تركن الراحة واستسلمن لرحلات العناء اليومية.. ومنهن من أجبرت الظروف المعيشية أسرهن إلى ترك الوادي والاستقرار النهائي في الطائف والباحة بل الذهاب بعيداً إلى مكة وجدة.. هذا ما يقوله التحقيق الذي أجراه (عبدالعزيز الربيعي) في عكاظ الأحد الماضي، وأرسله إلي عبر الـ (واتس) صاحبي العاشق للوادي (صالح الثقفي).. رحت أقرأ التحقيق باهتمام وصوت طارق عبد الحكيم (رحمه الله) يتسلل إلى وجداني.. يحملني وأنا في قمة الشجن يطوف بي في الوادي: (يا ريم وادي ثقيف... ما شفت أنا لك وصيف... .. إنت المنى والأمل.. في مهجتي لك محل.. يا من بحسنه اكتمل...).. شدني الإيقاع ورحت أبحث عن دائرة أوسع لتكامل الإنسان والمكان، وها أنا أدندن هنا متضامناً مطالباً للوادي الجميل بطقسه وسهوله وجباله بما يكفل تلك الحاجة الملحة لتنمية شاملة تعزز من بقاء أهله وناسه، بل وتجذب إليه الباحثين العاشقين لجماله.