يا ويلك من البلدية
كم يسيئني هذا التعدي على المرافق العامة.. لا أدري لماذا تبدو عندنا أمرا عاديا.. وما زلنا نتعامل معها بكل هذا القدر من الاتكالية؟
والله إنها (إشكالية) كبيرة بلغت مداها داخليا وأضحى الإنكار عليها يحتاج إلى قدر من المجازفة والفدائية لتحمل تبعاتها التي قد تكون أقل احتمالاتها أن يردعك ذلك العابث ـ بكل بجاحة ـ قائلا:
- وأنت مالك.. وربما أضاف ناصحاً:
- خليك في حالك.
هذا أحد (السيناريوهات) المختصرة التي ينصرف بعدها (الشيطان) خاسرا إذا لزمت الصمت و(عديتها).
مشكلتي أنني (لقوفي) كبير.. أدخل أنفي في هذه الأمور.. يشجعني على ذلك أنني ـ ولله الحمد ـ أملك قدرا كبيرا من الصبر على ردة الفعل مهما كان نوعها ودرجتها.. حتى وإن كنت على حق.. لأنه وببساطة شديدة ـ وحتى كتابة هذا المقال ـ لم يتم إدراج هذا الحق العام كنظام يعاقب من يتعدى عليه.. لذا سيظل هذا الإنكار والنصح ـ الذي أمارسه دائما ـ من قبيل الاجتهاد الذي لا يلام تاركه، وقد يعاقب صاحبه.. هذا أحد إخوتنا العرب المقيمين يفتح باب سيارته الواقفة بمحاذاة الشارع الحيوي الكبير ليضع (زجاجة) لا زال فيها شيء من العصير.. يتركها بكل بساطة على الرصيف.. رأيت المشهد كاملا ورآني صاحبي حين مددت يدي اليمنى مشيرا إلى (الزجاجة) قبل أن أرفعها ـ يدي ـ إلى الأعلى في إشارة استفهامية استنكارية؛ فهمها صاحبي وقال لي معتذرا: آسف.. ثم أردف مبرراً: السعوديون يفعلون ذلك أيضا
ماذا أقول؟
هل أقول إنهم لم يتربوا في البيوت؟.. ولم تهتم المدارس بتعليمهم وتدريبهم هذه الأصول بشكل عملي، وأن كل ما لقنوه وحفظوه ليس إلا كلاما تنتهي صلاحيته مع نهاية كل اختبار؟
(يا ويلك من البلدية).. قالها لي ابني إبراهيم ـ قبل خمسة عشر عاما وقد كان طفلا في السابعة ـ حين سقطت علبة العصير خارج حاوية القمامة.. (يا ويلك من البلدية).. حلمت بها واستيقظت اليوم على تدهور خطير تجاوز نطاق المحلية ليعبث بسمعتنا خارج حدود الوطن.. سياحنا الأفاضل الذين زادت دخولهم ولم ترتق عقولهم ظنوا أنهم في (الثمامة) فملؤا النمسا بالقمامة.. حرقوا الأرض الخضراء هوساً بـ (الشواء).. يا أخي اصبر قليلا.. سيأتيك (الشتاء) وستهنأ بالعبث؛ فهناك عشرات الآلف من عمال النظافة يلتقطون ما ترميه في الشارع وأنت تسير أو حتى تركب السيارة.. في البر أو على شاطئ البحر.. ولن تسمع صوت إبراهيم وهو يقول لك محذرا: (يا ويلك من البلدية).. تلك أضغاث أحلام قديمة؛ أما الحقيقة المرة فما زالت أصداؤها في (النمسا).. ولا أخال أحدا لم يعرف القصة.. لقد أصبحت فضيحتنا بـ (جلاجل).. ربما حضرت (العنصرية) ولكننا لا بد أن نعتاد على ألا نلوم الآخرين وأن ننظر إلى الجانب الذي يخصنا ونتحمل فيه المسؤولية.. تعلمتها من مديري.. أهداها لي.. زرعها في قلبي في (لحظة حب) فنمت وغدت شجرة تظلني وتطعمني صبرا (بفتح الصاد).
(يا غريب.. كن أديباً).. نعرفها أيضا ونحن أهل الحكمة والبلاغة ولكننا لا نطبق.. إنها مشكلتنا الأزلية منذ أن كنا في الصف الأول الابتدائي.. آذان وأفواه مفتوحة.. تسمع لتردد ـ في هذيان ـ كلاماً لا تعيه فكيف تطبقه؟ والحل يبدأ بغرس قيم الانتماء للجماعة في نفوس الأطفال مبكراً لتحقيق المصالح المشتركة وتطبيقها عملياً، وإيضاح الضرر الذي سيلحق بهم في حالة عدم الالتزام.. ثم استكمال كل هذه الأسس بنظام رقابي إصلاحي يهدف إلى التوجيه والتوعية ولا يتساهل في عقاب حالات الإصرار والعناد.. أين (إبراهيم).. تعال ـ يا بني ـ واصرخ: (يا ويلك من البلدية).. علها تستجيب وتتحمل المسؤولية.. إلى اللقاء.