إلى أن يصعد الماء
حلم بهيج.. التقيت فيه بـ (فهد العيسى).. لم أره منذ قرابة العشر سنوات.. كان آخر عهدي به في (جلاسكو) يوم حصل على الدكتوراة قبل أن يعود إلى الرياض.. كانت مفاجأة سعيدة.. فرحت به.. صحوت قبل أن نتحدث.. عدت إلى النوم فوجدته ينتظرني بابتسامته العجيبة.. تخطفك إلى عوالم من الأنس الفطري.. سافر بنا الحديث إلى تلك الذكريات الجميلة التي جمعتنا.. تذكرت رحلة الشمال إلى (فورت وليم).. قلت:
ـ الأيام الجميلة لا تعود. أجاب:
ـ نحن من نصنعها. قلت:
ـ أترانا قد تغيرنا يا فهد؟ نظر إلى الأعلى.. سرح للحظات.. لم يطل صمته:
ـ الظروف هي التي تغيرت. قال، ثم أردف:
ـ النفوس السوية لا تتغير. قلت:
ـ نبدو كالماء.. يجري به المجرى.. كل شيء يحتاج إلى ما يحركه.
استيقظت قبل أن أودعه.. لم أكترث.. كان الواقع ينتظرني لأراه.. نلتقي كما كنا نفعل يوم جمعتنا الحياة في ضيافة تلك الحسناء الأسكتلندية (جلاسكو).. هناك كنا أكثر دفئاً رغم شدة البرد و(السنو) المتساقط في الشتاء.. ازددنا بياضاً لنعيش صحبةً ولا أحلى.. إنها أيام لا تنسى.. أين أنت أبا عبد العزيز؟.. المسافة التي تفصل بيننا لا تتجاوز ٤٠٠ كيلو متراً.. أستطيع أن ألتقي بك بعد أربع ساعات بالسيارة ومثلها بالطائرة ـ إذا حسبنا مشوار المطار ووقت الانتظار ـ نعم، بإمكاننا أن نكمل حلمنا الجميل.. كان علي أن أبحث عن مجرى لنلتقي.. المياه لا تصعد إلى الأعلى ونحن نريد ذلك فهل نلتقي؟.. أخذتنا الحياة.. أصبحت تحكمنا ظروف رتيبة في فضاء ضيق صنعناه بأنفسنا.. سأعود إلى النوم ـ إذاً ـ لعلي أجدك من جديد.. في الأحلام يصعد الماء إلى الأعلى ولا يحتاج إلى مجرى.. الذين يغرقون في الواقع ينشدون حلماً صعب المنال.. لا يمنحهم تلك اللذة التي يحلمون بها؛ لأنهم عادة ما يرسمونها بعيون الناس.. أكثرنا يفعل ذلك يا دكتور.. إننا نتجه نحو نهايات محددة والتحديد يختزل السعادة في تلك النهاية التي سنجدها قد تغيرت لأن ظروفنا قد تغيرت. إننا لا نعيش الحرية لأننا نركن دائما إلى الخيارات المحددة.. ها هي الظروف تحدد خياراتنا.. هكذا نفهم الحرية.. الاستسلام للظروف.. نرضى هذا في الواقع.. ما أجمل الأحلام يا فهد وهي تأتي بك لأراك وأسعد بك رغم كل الظروف.