2015-09-11 | 03:05 مقالات

سيدني .. وجحفلي.. وما خفي

مشاركة الخبر      



ما أكبر هذه المساحة من الإثارة التي تجود بها كرة القدم في حياتنا؛ تدفعني ـ وأنا أكمل عقدي الخامس ـ إلى ملاحقتها في الملعب مع (الشباب) زاهداً في (الوقار) طامعاً في المتعة والجمال.. بيد أن حالها اليوم لا يسر وهي تأخذنا إلى مسار غريب عجيب من (التعصب) ونحن نقسرها إلى ترك عوالمها التي تدعو إلى التقارب والمحبة لتتحول إلى صراعات حامية تمتهن الإساءة للنيل من المنافس في سياق فني كروي محلي (متواضع) يحتاج إلى عمل كبير للوصول إلى ما ينتظره أصحاب الذائقة الكروية الراقية.. كم يظلمون (جحفلي) وهو يُقحمونه في هذا السياق وينصبونه (بطلاً) ويعلنون اسمه في كل أرجاء المعمورة بـ (الصوت والصورة).. يقدمونه على أنه ذلك الفارس المغوار الذي قاد (جحافل بني هلال) للإطاحة بـ (بني نصر) في موقعة (الكأس)؛ فيما الحقيقة تقول إن القدر قد ساقه ليكون حاضراً في لحظة حظ (يفلق الصخر).. ليطعن محبي (النصر) في (الخصر) ويبعث الأمل ليستعيد الهلال ضياءه بعد إقصاءات مريرة لم تتحملها جماهيره.. خاصة وأنها جاءت من ذلك الغريم الأزلي الذي كان أنصاره هم البادئون بـ (الجفاء) بتشجيعهم لـ (سيدني) الأسترالي في المباراة النهائية على الكأس الآسيوية، في تعبير صريح عن كراهيتهم لفوز ممثل الوطن، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك باحتفاليتهم بتلك الخسارة بارتداء قميص الفريق الأسترالي.
حسناً.. (طقطقة) وانتهت والبادئ أظلم.. المهم ألا يستمر الأمر أكثر، وندخل في فيلم (جاهلي) يشتعل فيه الثأر وتموج فيه (جحافل) الفريقين بإدارتها وجماهيرها في (حرب) طويلة شعارها (سيدني.. جحفلي).. يقتات منها إعلام يبحث عن الإثارة ولا يهتم بالأثر المخلف للضرر المفضي للخطر بتشكيل جيل يبحث عن (التوافه)، ولا يتفاعل كثيراً مع المصائب والنوازل.. هذا طفل سوري يلفظه البحر جثة على الشاطئ في رسالة مؤلمة مختزلة لمصائب هجرة ثلاثمائة ألف سوري يمتطون البحر في رحلة مسكونة بالمخاطر للنجاة من بطش طاغوت صفوي لئيم..
نحزن قليلاً ولا نتوقف كثيراً.. يأخذنا الضجيج.. وليس ثمَّ سوى (سيدني.. جحفلي).
وهذا يوم حزين فقدنا فيه 45 جندياً إماراتياً و10 جنود سعوديين وخمسة بحرينيين في انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون على مخزن للذخيرة الحربية بمنطقة صافر بمحافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء.. حصيلة دامية لم يسبق أن تكبدتها قوات التحالف العربي.. إنه جزء من ثمن الحرب في اليمن لاستعادة الحق وطرد الظلم..
ـ الله يرحمهم.. نقولها قبل أن نعود من جديد إلى إذكاء روح التعصب بـ (سيدني.. جحفلي).
وهنا يأتي حراك سياسي لافت لملكنا الصالح سلمان بن عبد العزيز في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية .. وحوار دبلوماسي رزين لهذا الملك الحكيم مع الرئيس الأمريكي ومعاونيه في أصعب تحولات زمن عاصف ظهر فيه الملك شامخاً بشفافية لم يكن يتوقعها الأمريكان.. وضعهم أمام تاريخ طويل من العلاقات والاتفاقيات.. ذكرهم بمصالح مشتركة، ومكانة ودور هام للمملكة في المنطقة.. ووجه إليهم رسالة واضحة بما يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم به ضد أي أطماع إيرانية في المنطقة، وحذرهم بأن ذلك سيكون موضع تقييم مستمر للتأكد من وفائهم بما التزموا به، مؤكداً أن الخيارات كثيرة لدخول حلفاء جدد يمكن الاعتماد عليهم.. أحداث جسام تتطلب حضوراً كبيراً لوعي الفرد بأهمية (اللحمة الوطنية) وإدراكه لمسؤوليته تجاه دينه ووطنه؛ وهل يكون ذلك من خلال استمرار هذا التغييب (الساذج) لإعلاميين رياضيين مفلسين، يقتاتون من الإثارة، ينساقون وراء (طقطقة) يمارسها الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي، يكثر فيها الهمز واللمز والسخرية إلى حد التجني والتعدي وتضخيم الأمور.. يدعون أنهم يبحثون عن حل لإطفاء نار التعصب، وهم من أشعلها؟.