2015-09-18 | 02:51 مقالات

عادوا بخفي حنين

مشاركة الخبر      

"رجع بخفي حنين".. ربما قلتها لتصف حالة عابرة من حالات الفشل.. استحضرت فيها مقدار الخسارة أو تجاوزتها ضاحكاً كالعادة.. معزياً نفسك بتلك المقولة الشهيرة "شر البلية ما يضحك"،
حسناً.. دعني في البداية أروي لك (الحكاية) لتضحك (على كيفك) قبل أن أسوق لك (البلية) التي لا أخالها تضحك.
كان حنين (إسكافياً) يصنع ويصلح الأحذية، وهو من أهل (الحيرة) بالعراق، وكان خبيراً وماهراً في صنعته، وفي أحد الأيام أناخ أعرابي بعيره أمام دكانه، وأقبل ينظر ويتأمل في دقة وذوق (حنين) في صنعته، وقد أعجبه (خفين)، أخذ الإعرابي يساوم عليهما حنيناً بالسعر. وبعد طول أخذ ورد وافق حنين، ولكن الأعرابي ترك الدكان ولم يشتر الخفين بعد أن أضاع وقت (حنين) وفوّت عليه الزبائن، غضب (حنين) وراح يفكر في حيلة تعوضه الخسارة ويعاقب بها هذا الأعرابي البخيل، وتوصل حنين إلى الحيلة، وكان لابد أن يبدأ في تنفيذها سريعاً، أغلق دكانه وأسرع من طريق جانبي مختصر إلى الطريق الذي سلكه الأعرابي؛ حتى يسبقه حاملاً معه الخفين اللذين أعجبا الأعرابي. وفي الطريق طرح (حنين) أحد الخفين، وعلى مسافة أخرى بعيدة قليلا طرح الخف الآخر. وعندما سلك الأعرابي ببعيره ذلك الطريق إلى باديته، وإذا بالخف الذي أعجب به أمام عينيه، ولكن للأسف كان خفاً واحداً، جعله يشك في الأمر ويردد متأسفاً: ما أشبه هذا الخف بخفي حنين، ولو أن معه زوجه لأخذته. وتركه ومضى مكملاً طريقه حتى وصل إلى مكان الخف الثاني فنظر إليه متفحصاً وهو يقول: إنه خف حنين الثاني، فندم على تركه للخف الأول، وقرر أن يعود لأخذه سيراً على الأقدام فأناخ بعيره وحمل الخف، تاركاً بعيره وما عليها من أمتعة وبضاعة، فما كان من (حنين) الذي كان مختبئاً يراقب الموقف إلا أن استولى على البعير، مقتصاً من الأعرابي الذي عاد إلى بعيره فوجده قد اختفى من مكانه. هنا أدرك الأعرابي أنه قد خدع، ولم يكن أمامه سوى أن يقطع بقية الطريق ماشياً حتى وصل إلى باديته، ولما دخل على عشيرته قالوا له: ما الذي جئت به من سفرك؟ قال: (جئتكم بخفي حنين).
تلك هي قصة المثل تحمل معاني (الخيبة).. ولا أخالها تخص أعرابياً واحداً وإنما هي حكاية قبيل من (العربان) قادتهم (الأنانية) ليسهموا في تعثر التنمية ـ عبر مظاهر للقصور في مشاريع وخدمات عامة أُنفق عليها الكثير.
باختصار إنني أتساءل: أين أثر ذلك الكم الهائل من حملة الشهادات العليا وخاصة الدكتوراة؟.. أتراهم عادوا بأخفاف بدلاً من الشهادات؛ لنراهم يتسابقون على تحقيق مكاسب شخصية.. غافلين عن هذا (العلم) وذاك الفراغ الذي ابتعثوا ليملؤوه بعطاءاتهم؟.. يتجاهلون كل ذلك.. يرهنونه في إطار جامد لـ (شهادة) معلقة و(دال) منمقة.
نعم، ما أكثر من أغراهم (الخفان) فأضاعوا (الجمل بما حمل).