2015-11-13 | 02:59 مقالات

أطلقوهم

مشاركة الخبر      


ليس من المقبول أن نبالغ في ذم المركزية واعتبارها أسلوباً عقيماً في كل الأحوال. ففي بداية ‏تشكل أي دولة أو أي جهاز إداري تكون المركزية أسلوباً ضرورياً لإدارة المرافق العامة والأنشطة ‏بفاعلية وكفاءة، كما أنها تؤدي إلى توحيد النظم والإجراءات المتبعة في كافة فروع الجهاز الإداري؛ ‏مما يمكن الموظفين من الإلمام بكافة الأوامر والتعليمات اللازمة لتنفيذ الوظيفة الإدارية. لكن بعد ‏مرور سنوات طويلة من التشكل والاستقرار تصبح المركزية عبئاً على التنمية. ‏
إن التوجه نحو منح الصلاحيات لإدارات الفروع في الوزارات للقيام بالأعمال التي ‏كانت تحتكرها المراكز الرئيسية بات يسير بخطى بطيئة مما أدى إلى تأخر إنجاز الأعمال، وضعف الأداء. ‏إن احتكار الصلاحيات وعدم تفويضها لها أضرار كثيرة فمع مرور الزمن تتحول ‏المركزية الإدارية إلى أزمة تقتل روح المثابرة والإبداع لدى الموظفين في الفروع لأن دورهم ‏ينحصر بتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من الإدارة العليا وعدم مشاركتهم فيها لاستئثار النخبة ‏المركزية بسلطة اتخاذ كافة القرارات وتبادل المصالح فيما بينهم وكثيرا ما جاءت هذه القرارات غير ‏متلائمة مع طبيعة المشكلات المراد حلها.
وفي بلد كبير كالمملكة تزيد متطلباته وتقتضي تنفيذ عدد كبير من المشاريع وإدارة ‏الميزانيات المخصصة لها لا يمكن أن نتصور أن تدار من قبل أجهزة مركزية. ولا بد هنا من إعطاء المناطق صلاحيات أكثر من خلال إمارات المناطق مثلا ليتمكن المسؤولون في كل ‏منطقة من التخطيط لاحتياجات منطقتهم والتنظيم والمتابعة لمشاريعها، وتحقيق التكامل فيما بينها.
إن تقليص مساحة الصلاحيات الممنوحة للفروع تؤدي إلى انشغال المسؤولين والقياديين في المركز ‏الرئيس للمنظمة بالبت في المعاملات واتخاذ القرارات والإشراف على سير العمل اليومي بدلا من ‏التفرغ لدراسة الاحتياجات ووضع رؤية مستقبلية وتحديد الأهداف الإستراتيجية، وفي كل هذا إشغال الإدارة العليا أو ‏المسؤولين والوزراء بمسائل قليلة الأهمية على حساب المهام الأكثر أهمية. وقد برهنت تجربة ماليزيا على صدق التأثير الإيجابي للامركزية الإدارية بعد نجاحها من ‏سبعينيات القرن العشرين في تحقيق جانب كبير من الأهداف التنموية في خططها الاقتصادية، وهي التي لم تكن في بادئ الأمر ‏سوى دولة زراعية تعتمد على إنتاج السلع الأولية كالقصدير والمطاط ونخيل الزيت، واستطاعت أن تتحول إلى واحدة من الدول الصناعية التي تتمتع بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي وأن ‏تحتل اليوم مركزا مرموقاً في الاقتصاد العالمي. ‏