طيور أليفة.. جارحة
أنت (هواوي) يا صاحبي.. تدغدغك نسمات (الحرية).. تحلم بأن تطير بجناحين أحدهما كسير.. تظل تنعت غيرك بالتساهل. فقط لأنه يكره التسلط.
لم يترب على الخضوع للرؤساء ولا يقبل أن يكون ذلك لمرؤوسيه.. لا يسعى لأخذ ما لا يستحقه.. لا يقبل أن يكون سوطاً في يد المدير عندما يصبح (جلاداً).. هكذا تربى وسيظل حتى لو لم يأخذ حقوقه و(طارت الطيور الأليفة.. الجارحة بأرزاقها).. سيبقى طائراً محلقاً بالحب وللحب يتجاوز عمن يسيئون إليه ويتهمونه بالتقصير بلا معايير.. انطباعات بالكلام والسلام أما العمل فمرهون بالرغبة في العطاء في آفاق بلا حدود وهذه خارج نطاق تقييمهم التقليدي.. إليكم القصة:
يقولون إن أكثر ما تتطلبه القدرة الإدارية في التعامل مع الموظفين وتقييم أدائهم هو أن تكون صارماً مطبقاً للنظام جاهزاً بالعقاب.. لا تفتح باباً للدخول في مبررات التقصير أو الخطأ عند إقراره وتنفيذه.. يقولون ذلك ويؤكدونه بالفعل.. فالتهاون غير وارد.. إنها (العين الحمراء) لا بد أن يراها الموظف من البداية حتى يعتاد على الانضباط في (الحضور والانصراف).. ويبدو أن هذا هو الهدف النهائي الذي يسعى إليه أكثر المديرين.. وقد نجح بعضهم من خلال الجولات التفقدية اليومية قبل أن تأتي (البصمة الإلكترونية) التي فشلت ولم تكن (عملية) بعد أن (أتلف) الموظفون جهازها الحساس بـ (ضغطة قوية).. هذا الاهتمام المتزايد بالحضور والانصراف ربما كان بسبب عدم وجود معايير نوعية لقياس الانتاجية.. إنها ـ اذاً ـ الشكلية ما زالت حاضرة بقوة.. وهي التي حجبت تلك الملكات الإبداعية وظلمت أصحابها.
لعلكم قد سمعتم بنظرية (X).. لقد أضحت مفهوماً سائداً وتوجهاً قائماً في الإدارة هذه الأيام.. يظل ينظر إلى العاملين من البداية على أنهم لا يحبون العمل، ويميلون إلى الكسل ويحتاجون إلى درجة عالية من الانضباط، ولن يكون ذلك إلا بالعقاب.
هل أنت ـ يا صاحبي ـ مثلي لا تفهم في الإدارة لأنك تؤمن بأن تعديل توجهات المرؤوسين تأتي من خلال إعطائهم الفرصة لتقييم أنفسهم وتصحيح سلوكهم والصبر عليهم وتجديد الثقة بهم؟
بالتجربة تكونت لدي قناعة كبرى بأن نظرية (X) لا يمكن أن تكون أساساً في التعامل مع البشر.. فالمستوى العالي في الانضباط الذي تنشده النظرية لا يمكن أن يتحقق من خلال الاهتمام بالعمل على حساب حاجات العاملين وحل مشاكلهم.. إن الضوابط الخارجية التي تركز النظرية على توفيرها لا تحقق الاستغلال الأمثل لإمكانات العاملين.. ولكي يتحقق هذا الهدف لا بد من أن تكون النظرة إلى هؤلاء العاملين على أنهم قادرون على العمل دون رقابة خارجية.. ويمكن أن نضمن تحقيق ذلك متى ما استطعنا أن نضع معايير مهنية نوعية لقياس الإنتاجية.. إن وجود مثل هذه المعايير يعمل على زيادة نسبة نضوج الفرد وبالتالي انخفاض الحاجة إلى الرقابة.. هنا تتحقق الموازنة بين الانضباط والحرية الفردية، فيكون الاهتمام بالفرد أولاً ثم يأتي العمل ثانياً.. وهذا ما تؤكد عليه نظرية (Y) التي لم يعد لها كثير من الأنصار، ولا أدري هل يعجبهم هذا التسلط العجيب للمديرين والخوف الساكن في قلوب الموظفين؟.. حين يفقد الإنسان ثقة الآخرين يموت الإبداع وتختفي المبادرات ويزيد الهدر.