سعادة من الزمن الجميل
صوت تلك المرأة السوداء العجوز يصدع:
تعال يا محمد يا (وليدي) اشرب الشاهي..
كنت مستعجلاً أريد الخروج للعب مع (عاطي) ولكنني أسرعت إليها.. كانت تأخذ لها زاويةً في الغرفة الملاصقة للمطبخ تدير فيها شؤونها.. كنا ندعوها (دادة سعادة)، كنت أظنها جدتي (أم والدتي)، ولم يخطر ببالي يوماً أن أسأل أمي لماذا هي تختلف عنا؛ فقد كنت أحبها كثيراً وأذهب إليها لأشرب الشاي المعطر بقشور البرتقال. كنت أحب ذلك الشاي وأراه أفضل شاي في الدنيا.. ربما لأن (دادة سعادة) كانت تعده.. فما أجمل أجواء الأنس التي تصاحبه.. إنها فرصة لا تفوت لكي أسمع منها حكاية.. صوتها القوي المليء بالاعتداد كان يثيرني يقربني منها أكثر.. إنها امرأة قوية تشعرك بالأمان، فهذا أخي حسين يحتمي بها كلما اقترف خطأً وفر من الوالدة.. كانت تحميه كما تحمي الدجاجة فراخها.. ولا تتردد في أن تنهر أمي إن أصرت على أن تسلمها (حسين).
ماتت (دادة سعادة) سريعاً.. ولم أعرف أنها كانت (أَمَةً) عند جدي لوالدتي قبل أن يعتقها إلا بعد أن كبَرت.. لقد فضلت العيش معنا وكانت أمي تحبها وتقدرها، وتعدها في مقام والدتها.. ماتت (دادة سعادة) وبكينا وبكى أخي حسين بحرقة واختفت رائحة الشاي المعطر بقشور البرتقال.