هذا معهد الإدارة العامة (1)
تعجز الكلمات عن رصد تاريخ ومنجزات هذا الكيان العظيم، الذي ما عرفت قدره، فهاجمته جاهلا أو متجاهلاً دوره الكبير الذي ظل يقدمه باحترافية عالية، جعلته مضرب الأمثال في التنمية الإدارية.
ماذا أقول وماذا أدع؟ لا يوجد جهاز حكومي إلا واستفاد من دراساته الاستشارية، أو لجأ إليه في تدريب موظفيه صغاراً وكبارا، وما من مؤسسة رائدة في القطاع الحكومي والخاص إلا ويعمل ضمن كوادرها البشرية موظفون نشأوا في المعهد أو تخرجوا منه.. حقاً.. إنه علامة بارزة ومضيئة في تاريخ البلد.
يقول عنه الدكتور مصطفى التيمي، مدير المدرسة الوطنية بالنيابة في مملكة المغرب: "أن درجة النضح التي وصل إليها معهد الإدارة العامة، والمجهودات التي بذلتها قيادته وطاقمه الإداري والتدريبي والبحثي والاستشاري والعلائقي، وإمكانياته التقنية والبشرية واللوجستيكية، جعلت منه نموذجاً يحتذى به في العالم، حاضرًا ومستقبلاً".
هذه هي الخلاصة، ولا بد لك أن تعرف أكثر عن هذه المنظمة العملاقة، كيف نشأت ومن هم الرجال الذين أسهموا في تطويرها، إليك القصة باختصار: جاء تأسيس معهد الإدارة العامة استجابة لتوصيات شركة (فورد) الأميركية بعد دراستها للوضع الإداري المتدني في البلد، فقدمت بعض الحلول الممكنة في الإصلاح الإداري والمالي وتطوير القوى العاملة في الدولة، ومن ضمنها إنشاء معهد الإدارة العامة.
وقد أصدر الملك سعود عام 1960م مرسوما ملكياً بالموافقة على نظام المعهد، الذي كان من أبرز مهامه رفع كفاية موظفي القطاع العام وتدريبهم، والمساهمة في التنظيم الإداري للحكومة وإجراء البحوث الإدارية وغيرها.
وقد ربط المعهد مالياً وتنظيمياً بوزارة المالية والاقتصاد الوطني، وتولى رئاسة مجلس الإدارة فيه الأمير مساعد بن عبد الرحمن، وزير المالية والاقتصاد الوطني السابق، وكان مدرسة في الإدارة فهو المؤسس الأول والحقيقي لمعهد الإدارة العامة والحاضن والداعم للمواهب والكفاءات الإدارية السعودية.
وقد تعاقب على إدارة المعهد قيادات مؤهلة وحكيمة ساهمت في تطوير أدائه والتوسع في نشاطاته.
فقد أسهم الأستاذ محمد أبا الخيل في تأسيس المعهد ووضع لبناته الأولى، قبل أن يصبح وزيراً للمالية.
ثم أتى الأستاذ فهد الدغيثر ـ يرحمه الله ـ ليبني المعهد على أسس الانضباط والدقة في العمل، ويهتم بتطوير الأجهزة الحكومية، ثم تلاه الدكتور محمد الطويل ليعزز ثقافة الانضباط والدقة وجودة الأداء، ويولي اهتماماً متزايداً بالموارد البشرية، فتعددت الإنجازات وأصبح هناك تميز في البرامج التدريبية والإعدادية والبحوث والاستشارات ونظم المعلومات، ليحتل المعهد مكانة مرموقة بين معاهد الإدارة العالمية.
ثم جاء بعد ذلك الدكتور حمد السلوم ـ يرحمه الله ـ ليحافظ على منجزات المعهد ويفتح آفاقا جديدة في مجال الجودة والتميز، ثم أتى الدكتور عبد الرحمن الشقاوي ليسهم في المحافظة على إنجازات المعهد السابقة ويسهم في تطوير التقنية في المعهد وتطوير الأجهزة الحكومية بأسلوب حديث ويوسع أنشطة المعهد في التدريب والاستشارات لتشمل القطاع الأهلي.
وأخيراً جاء الدكتور أحمد الشعيبي ليحقق نقلة نوعية في الدور الذي يقدمه المعهد في التنمية الإدارية، فتح التدريب في الفصل الصيفي، فأتاح المجال من خلاله لأعداد كبيرة من الموظفين ليأخذوا نصيبهم من التدريب، وقرر تنفيذ البرامج التدريبية في مواقع الجامعات للتغلب على مشكلة قلة القاعات التدريبية، وقد ساهم هذا القرار أيضاً في زيادة الملتحقين ببرامج المعهد.
وللمساهمة في رفع مستوى أداء مدربي المعهد اعتمد معاليه تنفيذ مشروع تطوير نموذج الجدارات، وتقديم الاختبارات الإلكترونية المتعلقة بالاحتياجات التدريبية لمنسوبي المعهد، كما قام بتطوير وتحديث جميع البرامج التدريبية والحلقات التطبيقية التي ينفذها المعهد لمنسوبي الأجهزة الحكومية، كذلك تطوير حقائب التدريب والملفات العلمية والحالات والأفلام التدريبية في أكبر مشروع تطويري يراعي التغير في الاحتياجات ومتطلبات التنمية الوطنية الشاملة.
ولمقابلة الحاجة المتزايدة لبرامج المعهد افتتح فرع جديد في منطقة عسير وفرع نسوي في مدينة الدمام، وقريباً في جدة، والعمل جار لافتتاح فروع جديدة في مدن أخرى.
لا يمكن اختزال إسهامات المعهد بذكر ما قدمه هؤلاء الرجال؛ فخلال مسيرته المشرفة ظل المعهد يدعم الأجهزة الحكومية المخلتفة والقطاع الخاص، ومجلس الشورى ومجالس الإدارات في القطاعين الحكومي والخاص، بالكفاءات القيادية التي تولت مناصب رفيعة فقدم للدولة وزراء ونواب وزراء، ووكلاء وزارات، ووكلاء إمارات مناطق، ومديري شركات ناجحة، وقد تخرج من برامج المعهد الإعدادية عدد كبير من الوزراء و المحامين ورجال الدولة الناجحون.
انتهت المساحة ولم ينته الحديث، الأسبوع القادم نرصد آراء نخبة من المسؤولين في القطاعين العام والخاص عن المعهد والتجارب المبهجة لخريجيه في سوق العمل.
إلى اللقاء.