احترموا الإنسان
أصبحنا نتوجس من الآخر، نخشي أن يسيء إلينا أكثر من أملنا في أن يحسن.. لماذا وصلنا إلى هذا الحد؟. إننا لا نريد سوى الاحترام.. والاحترام RESPECT بمفهومه العملي لا الظاهري مشتق من الفعل RESPICERE الذي يعني "نَظَرَ إلى الوراء"، ومنه "توقف لينظر" و"نظر بعطف". وقد وجدت في هذه التعبيرات دلالة دقيقة على مفهوم الاحترام.. نعم إن تحقيق هذه القيمة ومنحها للبشر تحتم علينا التوقف والنظر والالتفات للخلف قبل أن نجرح الآخرين ونتسبب في حرمانهم بل سلبهم قيمتهم.. وإذا تجاهل المرء هذه القيمة ولم يفعلها في سلوكه وقع في نقيض الاحترام وهو الاحتقار. إذا أردت أن تعرف مقدار اتصافك بهذه القيمة انظر إلى مقدار احترامك من هم دونك منزلة وأقل شأنًا؛ فكثير من الناس يحترمون أصحاب المراكز الكبيرة والمناصب العليا، في الوقت الذي يتجاهلون فيه من هم أقل منهم، ولا يقيمون لهم قدراً وبهذا يسيئون لأنفسهم في الحالتين مرة عند خضوعهم لمن هم أعلى منهم شأناً وأخرى باحتقارهم من دونهم.. ولا يعني ذلك عدم مراعاة الفوارق في المنزلة وإعطاء أصحاب المناصب العليا قدرهم، ومحاولة القدح في مكانتهم وأهليتهم ولكن ينبغي ألا يصل الأمر إلى حد الهوان فنبالغ في تمجيدهم دون علم بأفعالهم. يجب أن نربي أنفسنا على احترام الكل وتوقير الكل؛ فلا تصدر منا كلمة فيها إقلال من شأن أحد، أو جرح لشعور إنسان، ولا نعامل أحدًا باستصغار أو باحتقار.. علينا ألا نتجاهل أحدًا مهما كان مجهولاً.. نعتاد على عبارات التقدير في تعاملنا مع أولادنا أو إخوتنا الصغار وكل من يعملون تحت سلطتنا العامة والخاصة نحفظ لهم مسافة اعتبارية تبعدهم عن الانتهاك والتعدي. الاحترام حقِّ مكتسب يجب أن نمنحه لكلِّ إنسان. بيد أن هناك أشخاصا نشعر نحوهم باحترام خاص لمزاياهم الإنسانية الخاصة، ومن هنا لا يعد الاحترام واجبًا، بل شعور يفرضه التعاطف والتقدير. تنهض الأمم وترتقي بالعمل وبالاحترام المتبادل بين أفرادها. السيف لم يأت بالمكانة التي حظي بها المسلمون الأوائل، بل كان لاحترام العهود والعدل كلمة الفصل في النهضة التي تحققت، وهذا أمر طبيعي فحاجة الإنسان الطبيعي للاحترام كحاجته للهواء والماء والطعام إن لم يكن أكثر.. واسألوا (ماسلو) حيث قال في هرمه الذي رتب فيه الحاجات الإنسانية: إن الإنسان ـ غريزيًا ـ يرغب في أن يكون له احترام ثابت وقوي من قبل الآخرين.. فعندما يتم إشباع هذه الرغبة يشعر الفرد بالثقة وتخالجه مشاعر القوة والإعجاب بذاته وبأهميتها، ومن ثم يبدأ في تطوير قدراته والعمل بتفان لإثبات الذات، بينما إذا لم يتم إشباع هذه الحاجة يصبح الفرد معقدًا نفسيًا وتعتريه مشاعر الوهن لأنه يرى نفسه بلا قيمة أو أهمية. هنا نقول: احترموا الإنسان.