2016-10-31 | 05:13 مقالات

(شاب) الشعر يا أخضرنا الشاب !!

مشاركة الخبر      

الزمان 1984م.. المكان سنغافورة.. هناك شهدت أكبر قارات العالم مولد فتاها الفذ.. الفتى الذي لم يكن لطموحاته حدود.. ولم يكن لأفعاله شبيه.. الفتى الذي أقام تلك القارة ولم يقعدها إلا بعد أن تربع على عرشها.. حينها فقط.. أذن لها بالجلوس وهي في حضرة سلطانه.. وكان إيوانه يصدح بأبيات (جاكم الإعصار ما شي يعيقه)..
مرت سنوات السطوة الخضراء.. كأجمل ما يمكن أن تمر.. توارثت أجياله المجد.. وتبادل نجومه أدوار البطولة.. وتغنت شوارعه وموانيه ومنازله بالصقور الخضر.. وتراقصت أزقتها وجدرانها على كلمات (يا ناس الأخضر لا لعب.. بركان يتفجر غضب.. منصور يا أغلى شعار.. يا سعودي يا أجمل منتخب).. ولكم أن تسألوا من عاصر تلك الحقبة عن مقدار الفخر والعز الذي زرعه منتخب الوطن في عقولنا قبل قلوبنا.. ولك أن تتخيل أننا عشنا مع خمسة نهائيات آسيوية متتالية كطرف ثابت.. وعلى مدى ستة عشر عاماً.. كما لك أن تتخيل ذات المقعد المحجوز لأربع نسخ مونديالية عالمية متتالية.. وعلى مدى ستة عشر عاماً كذلك..
وفجأة.. ظهر على ذلك العملاق شيء من الهزال.. والكثير من الوهن.. لم يكن يدرك عشاق الصقور أن نهائي القارة 2007م سيكون هو لحظة دخول بطلهم إلى نفق التيه.. ودوامات الضياع.. حتى بدا ذلك العملاق فاقدا لثقته في نفسه ومن حوله !!
مضت أعوام كثيرة بين حيرة في الوصول إلى الخلل.. وفشل في اكتشاف علاجه.. وضعف في متابعة حالته المرضية التي استعصت على الكثيرين.. حتى وصل الحال بالبعض إلى الاستسلام لواقع التردي.. والضعف أمام حالات الفشل المتكرر..
وقفت الأغلبية ترقب وميضاً في آخر النفق لا يكاد أن يرى.. كنا نلحظ بصيص النور.. نلمحه.. نفرح لمجرد إحساسنا بوجوده.. وبمجرد اقترابنا منه نكتشف أن ما كنا ننتظره لا يعدو كونه بارقة مضت وخلفت الأسى وراءها..
أسرفنا في الأمل كثيراً.. صبرنا على اتحادنا الوطني أكثر.. ومرت السنة تلو الأخرى.. الجميع يبحث عن ذلك الأخضر الذي ملأ أركان آسيا..
أنت يا أخضرنا.. منذ العام 2007م كان آخر ظهور لشخصيتك.. آخر ظهور لسطوتك.. لسلطانك..
تسعة أعوام.. طال فيها السفر.. والمنتظر مل صبره..
تسعة أعوام.. ضاعت وسط الزحام..
تسعة أعوام.. اختفى فيها ذلك الأخضر.. وبقيت قمصانه شكلاً بلا مضمون.. جسداً بلا روح!!
وبينما كان الأنصار بين مستسلم ومشفق.. وبين متشائم ومحبط.. فإذ بذلك الصوت الخافت ينادي من بعيد.. آسيا.. آسيا.. أنا هنا.. لا زلت أتنفس وما زال في الوريد ما يكفيه أن يجف.. وما يزال خفقان قلبي قادرا على النبض..
جاء العام 2016م وهو يحمل معه تلك الأخبار الجميلة.. وذلك الأمل.. وتلك الروح.. عام شهد ميلاد ثلاث فئات عمرية تتبادل المنافسة وتتقاسم الرهان في إعادة اسم وهيبة وسمعة ومكانة بلدها كروياً.. هاهو خالد العطوي يقدم للوطن منتخباً شاباً هيمن على منافسات الخليج وفرض نفسه رقماً صعباً بين منافسيه.. وهاهو المنتخب الأول يتحامل على جروحه ويتصدر مجموعته الحديدية ـ حتى الآن ـ وسط منافسة عتاولة القارة !!
وهاهو الشاب سعد.. ومنتخبه الشاب يزفون إلينا بشرى عبوره بكل اقتدار إلى مونديال الشباب بعد أن جندل خصومه على الطريقة السعودية التي طالما أحببناها وكرهها خصومنا!! وبعيداً عن خسارة النهائي في آخر رمق وبضربات الترجيح رغم أفضليتنا.. إلا أن ما قدمه صقورنا في البطولة أمر يدعو للفخر والشكر لله أولاً ثم لكل من كان خلف هذا الأخضر الشاب.. إياك أن تحزن يا أخضر فخصمك حين تجاوزك حصل على بطولته الوحيدة آسيوياً على مستوى الشباب طوال مسيرته، بينما فقدت أنت بطولتك الثالثة.. وستعود لتحقيقها بمشيئة الله..
ما يجعلنا أكثر فرحاً وأكثر تفاؤلاً هو أن الصناعة هذه المرة "سعودية خالصة".. وما أجمله من مستقبل ذلك الذي يصنع بسواعد أبناء البلد.. فالعطوي أجاد إعادة صياغة الشكل الجديد لمستقبل الأخضر.. والفذ سعد الشهري استطاع إعادة فك شفرة آسيا التي أضعنا مفاتيحها!!
صحيح أني لا أحب المبالغة في الفرح.. والإفراط في النرجسية.. لكن ما سبق ليس من ذلك على الإطلاق.. بل هو الإنصاف لكل من أجبرنا على إنصافه ومدحه..
شكراً لاتحاد الكره ممثلاً في الصديق خالد الزيد ـ رئيس الوفد وكل معاونيه.. شكراً لجميع اللاعبين والأجهزة الفنية والإدارية والطبية.. شكراً لكل الجماهير الوفية التي كانت خلف الأخضر الشاب سواء في قطر أو البحرين.. شكراً لكل نادٍ سعودي ساهم في تحفيز منتخب الوطن.. شكراً لكل داعم لمنتخب وطنه.. شكراً سلمان المالك على ما بذلته في خدمة منتخبنا الشاب.. شكراً للعشاق في المدرجات الذين قادتهم عفوية الفريان.. وتوالى تصفيقهم وأهازيجهم طوال ليالي البحرين الآسيوية.. شكراً لكل إعلامي غيور قدم مصلحة وطنه على مصلحه فريقه..
آسيا.. استيقظي.. أفيقي.. لا وقت لديك تضيعينه.. عاد فارسك.. عاد بطلك..
أفيقي يا آسيا.. ذو الوشاح الأخضر عاد.. حبيبك عاد.. يرتدي ذات الوشاح.. وقد استبدل شيخوخته بهرمون الشباب.. وعنفوان الرجولة.. عاد ليقول للأجيال الحالية (ارفع رأسك أنت سعودي).. إياك أن تنسى أنك الأفضل..
أخضرنا.. أين كنت طوال تلك السنين؟! اشتقنا لك.. ونحمد الله على عودتك سالماً.. لكنه شوق يحفه الخوف من تكرار الفشل.. شوق يتلبسه الأمل بالله أولاً ثم بالرجال الأوفياء القادرين على صنع الفارق..
آآه يا أخضر كم لعودتك من لذة.. وكم لسطوتك من اشتياق..
أرجوك يا أخضر.. قل لي بربك إنها عودة مستمرة.. قل لي إنك عدت لتبقى معنا وبيننا.. إياك أن تغادرنا سريعاً وتجعل الأوهام تعاود أفعالها معنا.. إياك أن تتركنا عرضة للشامت.. هل وصلتك رسالتنا يا عشقنا.. هل أدركت معانيها ؟!
أتمنى ذلك.. دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن.