2017-03-12 | 03:21 مقالات

قالت لي ليلة النهائي؟!

مشاركة الخبر      

لم يكن الحدث عادياً.. ولم تكن المناسبة مجرد مباراة نهائية لكرة القدم.. كانت الرياض تلك الليلة على موعد مع الوطن.. مع الأمن.. وفي حضرة سيّد الأمن..

 

ليلة لم تتعب كثيراً الجهات المستضيفة في تقديم دعواتها للجماهير الرياضية.. ولم يتكلف المسوقون كثيراً في جذب اهتمام الناس.. كان الحدث أكبر من ذلك بكثير.. وكانت دوافع العشق والعشاق أقوى حملة تسويقية لذلك النهائي..

 

ردد الوطن في ذلك المساء قائلاً:

 

افرحي يا رياضة .. وافرحي يا الرياض ..

 

سيّد الأمن وكيانه .. عمّنا حبه وفاض ..

 

في ليلة النهائي.. تابعت كغيري.. كل ما أتيح لي مشاهدته.. وجميع ما عرضته شاشة الناقل.. لكنني بالطبع لن أكون قد أدركت خفايا تلك الليلة.. وبعض تفاصيلها.. وكل حكاياها.. لذا فقد تجرأت واقتربت منها أكثر.. وطلبت منها أن تبوح لي ببعض حكاياها.. وافقت "هي" بلا تردد.. على عكس ما توقعت!..

 

قالت لي في بداية حديثها ـ وقد كانت عيناها تغرقان بالدموع: هل رأيت كم نحن فيه من وفاء؟ ألم تكن مشاعرك حاضرة "رغماً عنها وعنك".. وأنت تشاهد "رجل الأمن الأول" وهو يحتضن أبناء الشهداء.. يقبل رؤوسهم.. يرقبهم بعين الوالد.. ويحملهم على كفوف الراحة والطمأنينة..

 

ثم سألتني: أتعلم من هم أولئك الأولاد؟ هل تعرف لماذا أتوا؟ هل استوعبت أنهم فقدوا أغلى ما يملكون من أجل أن أنعم أنا وأنت وكل هذه الجموع بوطن آمن مستقر؟!..

 

أجبتها: كم نبدو أقزاماً أمام أفعال آبائهم.. قاطعتني حينها.. وأكملت حديثها قائلة: ولكن عليك أيضاً أن تدرك أن الله أرحم الراحمين سبحانه.. فقد سخر لهم رجالاً يسهرون على راحة المواطن في حياته.. ويوفون بالوعد والعهد لأبنائه بعد مماته.. فلم أستمع لباقي حديثها.. بل رددت: "ديرتي كلي فخر"..

 

ثم تعمدت "هي" أي الليلة أن تنتقل بالحديث إلى محور آخر.. اقتربت مني وأمسكت بيدي.. ثم سألتني: هل سمعت برجل يدعى "أحمد مسعود"؟ قلت "يرحمه الله" وهل يخفى القمر.. قالت: هو لا يخفى لكنه قد يختفي!! فهل تعرف ماذا يعني أن يختفي قمرك؟! هل تعرف أن الليالي الظلماء لا تشتكي شيئاً أشد عليها صعوبة من اختفاء القمر؟! ثم أكملت حديثها بكل ثقة وهي تقول: لكن التاريخ علمني أن ليالي ذلك التسعيني كلها أقمار ونجوم.. قد لا تبدو ظاهرة أمامك كل مساء.. لكنها تظهر في اللحظة التي يردد فيها مدرجهم الكبير "الله يعين العشاق"..

 

ثم أردفت هي منتشية: هل رأيت أولئك العشاق؟ هل رأيت راياتهم؟ هل سمعت حناجرهم؟ ألم تعجبك أهازيجهم؟ قلت لها مجيباً: وهل أحتاج بعد هذه السنين إلى من يلفت انتباهي إلى أن "جمهور الإتي نمبر ون"؟!

واستمرت في حديثها دون أن تسمح لي بالمقاطعة: هل أدركتم أن كرة القدم لا تعترف إلا بالعطاء؟ ولا تنصف إلا من يمنحها "الإخلاص" وليس "الاستعراض"؟ هل أدركتم الآن أن الكبار يمرضون ولكن لا يسقطون؟..

 

ثم استمرت مجدداً في الحديث لتقول عجباً لأمركم..! ألا تستفيدون من أخطائكم؟ كيف تمر عليكم مناسبة كبيرة ومهمة كهذه وتفشلون مجدداً في نقل وقائعها كما ينبغي.. هل تنقصكم الخبرة؟ أم الإمكانيات؟ ثم قالت وقد اتضحت الحدة في أسلوبها.. المناسبات الرياضية يا سيدي لا تحتاج إلى أكبر عدد من الكاميرات.. بل إلى أكثر المخرجين جودةً وإتقاناً!..

 

قالت لي كذلك.. إن تجربة الاستعانة بـ "كلاتنبيرج" تبدو ناجحة، إلا أنها اختلطت بمنتج "وطني" لم يكن في مستوى المنتج "الأجنبي"؛ لذا فقد ظهر المزيج التصنيعي للمنتج غير مكتمل الجودة!!..

 

قالت لي تلك الليلة.. لا تصدق المثل القائل "الدهن في العتاقي".. أو على الأقل لا تطلقه على العموم.. فليس كل عتاقي بعتاقي.. فهناك من يكبر ليصنع لك الأفراح.. وهناك من يكبر فيصبح عالة عليك.. بل قد يزداد سوؤه ليكون سبباً مباشراً في تدميرك!!..

 

استأذنتني تلك الليلة في الرحيل.. اعترضت على ذلك.. وقلت لها "بدري وتو الناس".. فقالت "ما عاد بدري".. سأرحل.. وستأتيكم بعدي العديد من الليالي المليئة بالقصص والعبر.. والعاقل منكم هو ذلك الذي يقرأ ما بين سطورها.. ويستفيد من عبرها ودروسها..

 

ولا أخفي عليكم أنها قبل أن تودعني.. اقتربت مني تلك الليلة.. ثم همست في أذني قائلة: النوايا الحسنة تكسب!

 

دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..