هكذا نحن
قبل أيام قليلة كنت مع المدام وابنتي في إحدى المستشفيات هنا في (جلاسكو)، ودخل وقت صلاة العصر، وكان علينا أن ننتظر لوقت أطول، فذهبت أبحث عن مكان مناسب للصلاة، فلم أجد غير ممر طويل قريب من الجناح الذي كنا فيه. وضعت سجادتي ودخلت في صلاتي قبل أن يقف إلى جواري أحد الأطباء في المستشفى ـ عرفت ذلك لاحقاً ـ ليقول لي أن هناك مكاناً مخصصاً للصلاة، فلم أرد عليه بالطبع، وأكملت صلاتي فإذا بي أجده في غرفة الانتظار يتحدث إلى المدام وابنتي يقول لهما بكل لطف واحترام ما قاله لي عن المصلى المخصص للصلاة. ثم التفت إلي يدعوني لرؤيته. شكرته على لطفه واهتمامه واعتذرت على عدم ردي عليه أثناء الصلاة، قبل أن أوضح السبب.
إنها ليست المرة الأولى التي أصلي فيها في مكان عام، وليست المرة الأولى التي أجد مثل هؤلاء المتفهمين لطبيعة المسلمين، فقد أضحى هذا الأمر مألوفاً في الأسواق بل وشاهدته بأم عيني في كثير من المطارات.
هذه المشاهد الجميلة تدعونا للاعتزاز بهويتنا الإسلامية التي هي بكل تأكيد سر احترام الآخرين لنا.. وتظل تذكرنا بفضل الله علينا بأن جعلنا مسلمين.
باعث الاعتزاز بهذه الهوية العظيمة التي نلنا بها وسام الخيرية على كل الأمم يتجدد اليوم في مشهد لنفر من بعثة المنتخب السعودي لكرة القدم وهم يصلون في مطار مدينة سنداي اليابانية التي يقيم فيها المنتخب معسكراً إعدادياً قبل ملاقاة كوريا الشمالية. وأتساءل كم ياباني أو غير ياباني سيرى هذا المشهد، ويعرف أننا لا نتساهل في أمور ديننا؟.. إظهار هذا الأمر علناً أمام الناس يدفعهم دائماً إلى التساؤل عن أسباب هذا الالتزام، وعن معاني هذا الدين الذي بات أكثر الأديان انتشاراً ولا غرابة.
عودوا إلى عدد الرياضية الأربعاء الماضي، لتروا (الجوهر) وأبناءه وهم في صلاتهم موجهين أنظارهم إلى مواقع سجودهم في تسليم لربهم العظيم.
سألني أحد القراء مرة عن دور اللاعبين في الدعوة إلى الله، ولأنني أؤمن بأن السلوك هو الفيصل فقد أعجبني منظر نجومنا وهم يصلون في المطار بكل طمأنينة، ونريد منهم أيضاً أن يكون سلوكهم داخل الملعب مثاليا باحترام قرارات الحكام وبالحرص على سلامة المنافسين لهم، وبالكلام الطيب، والابتعاد عن الغضب قدر الإمكان، فهذا السلوك الجميل لن يقف أثره عند الثواب الأخروي الذي سينالهم من الله بل سينعكس بشكل ايجابي أيضاً على هدوئهم النفسي وأدائهم الفني داخل الملعب.
كما يجب ألا ينسى هؤلاء النجوم أن هناك الكثير من الشباب والأطفال المعجبين بهم، وكلما كانوا على درجة عالية من الأخلاق الحميدة والسلوك القويم كلما أثروا إيجاباً على أعداد كبيرة من النشء الذين باتوا يقلدونهم في كل شيء.
شخصية الفرد المسلم التي نريدها في ملاعبنا تجد اهتماماً كبيراً من القيادة الرياضية، وللإعلام دور كبير في ترسيخها.. ولعل الصورة التي نشرتها الرياضية مع خبر وصول البعثة إلى اليابان تؤكد ذلك.
وما دام الحديث عن دور الإعلام، دعوني أسجل إعجابي بالمعلق السعودي المعروف ناصر الأحمد وهو يضيف إلى أسلوبه المميز في التعليق تركيزه على تأصيل السلوك الأخلاقي الحميد داخل الملعب من خلال إشادته بأخلاقيات بعض النجوم.. إضافة إلى حثه اللاعبين على المحافظة على الأذكار الشرعية لتحصين أنفسهم ضد الإصابات، ودعوته لهم بالاستعانة بالله في الوصول إلى أهدافهم الرياضية.
إنني أقدم هذه المشاهد المبهجة دون أن أضع أي علامة تعجب، لأننا ـ باختصار ـ هكذا ولا بد أن نسير إلى الأفضل.