تحديد المهور..ومثلث النصر..
قبل أكثر من ثلاثين عاما صدر قرار أو ما يشبه القرار ــ لا أتذكر بالضبط ــ بتحديد المهور بـ2000 ريال فقط بعدما كثر الحديث آنذاك عن غلاء المهور..
وفي الآونة الأخيرة أصبحنا نقرأ وعبر الصحف بين فينة وأخرى أن القبيلة الفلانية حددت مهور بناتها وبمباركة من الجهات الرسمية ووضعت تصنيفات وسلماً لهذه الأمور وكأن البنت بضاعة ذات مواصفات معينة دون مراعاة لمشاعر المرأة أو أية ظروف أخرى تحيط بالموضوع مستقبلا..
على أن المؤكد أن الجميع وأولهم هؤلاء يدركون أن العملية لا تتعدى كونها نوعا من الدعاية الإعلامية (Propaganda) فما يحدث خارج الورق من دفع تحت الطاولة ـــ كما يقولون ـــ يتجاوز ذلك بكثير سواء للفتاة نفسها أو لمن يتقاسمون الكعكة.. مما يعني أن الوضع قائم ولم يتغير شيء وما يحدث مجرد حبر على ورق..
تذكرت هذا وأنا أتابع الحديث عن تحديد سقف العقود اللاعبين.. واجتماع الأندية الكبيرة وعدم توصلها لاتفاق واستبعادها هذا البند من جدول أعمال اجتماعها إدراكا منها لصعوبة تحقيقه..
وحسناً فعلت.. فالاعتراف بعدم إمكانية تطبيقه خير من اتفاق لا يتم تنفيذه, وهذا نجاح في حد ذاته..
لاشك أن عقود اللاعبين لدينا وقيمة هذه العقود تجاوزت المعقول بما لا يتناسب وواقع الكرة لدينا وواقعنا المجتمعي أيضا.. لكن من الصعب أيضا إن لم يكن من المستحيل تحديد سقف لها.. ذلك أن مثل هذا الأمر لا يحتاج لاتفاقيات ولا حتى قرار مهما كانت درجة القرار وسلطته ولا يمكن أن يتم من خلال ذلك.. قدر احتياجه لالتزام أدبي ينطلق من ثقافة مجتمعية بصورة عامة ورياضية بصفة خاصة بمفهوم الاحتراف وإدراك لمعنى المنافسة الشريفة في ميادين الرياضة.. تماما كما يحدث في مهور الزواج..
فالدفع من (تحت الطاولة Under the table) وخارج بنود العقد والإغراءات سواء كانت من قبل النادي مباشرة أو من قبل أطراف غير محسوبة على النادي على المستوى الرسمي والإداري لكنها في واقع الأمر جزء منه وتعمل لمصلحته.. كل هذه الأمور تظل قائمة وواردة في ظل غياب هذه الثقافة..
بل إن هذا يحدث علناً وضمن العقود.. عندما يتفق ناديان على بيع عقد لاعب من أحدهما للآخر أو إعارته بمبلغ معين ويتم النص على أنه يمثل حصة النادي كاملة على أن يتم الاتفاق بين اللاعب وناديه الجديد على حصة اللاعب..
على أنني أختلف كثيرا مع من وصفوا اجتماع هؤلاء بالفاشل كونه لم يتوصل لتحديد سقف معين لعقود اللاعبين..
فمثل هذا التحديد.. لا يعدو كونه بنداً من عدة بنود.. واستبعاده أو حتى مناقشته دون التوصل لاتفاق يعتبر في حد ذاته نجاحاً.. فهو خير من اتفاق لا يتم تنفيذه على أرض الواقع.. كما أشرت قبل قليل..
والذين حكموا على الاجتماع بالفشل من هذا المنظور هم أولئك الذين يعتقدون أن تحديد سقف معين لعقود اللاعبين ومداخيلهم يمكن أن يتم من خلال قرار أو اتفاق جماعي.. دون إدراك للماهية التي تكتنف مثل هذه الأمور وما يدور في الخفاء..
هذا من ناحية..
ومن ناحية أخرى..
فقد نظروا لهذا البند على أنه الأبرز والأهم باعتباره تصدر وسائل الإعلام قبل الاجتماع ناسين أو متناسين بنودا لا تقل أهمية..
فالنقل التلفزيوني.. وحقوق الأندية
والعلاقة مع هيئة دوري المحترفين وسبل التعاون معها..
ومشاركة الأندية السعودية في بطولة الأندية الآسيوية..
ومواقف الاتحاد الآسيوي وكيفية التعامل معه..؟
واحترام اللاعب وحفظ حقوقه على الصعيد المهني من خلال الاعتراف بمهنته كمحترف..
وإلغاء مقدم العقد وبدل السكن والرواتب الشهرية ووضعها في سلة واحدة (package) تمثل قيمة العقد وتوزيعه على مدته بالأشهر (راتب شهري)
وتفعيل الاجتماع بحيث يصبح مرتين في الموسم الواحد..
ناهيك من بعض الأمور والمواضيع التي تم مناقشتها وأشار الاجتماع إلى أنه تم الرفع عنها في مذكرة سرية إلى الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اتحاد كرة القدم.. وعدم الرغبة في ظهورها للعلن مما يعني أهميتها..
كل ما سبق لا يقل أهمية عن تحديد سقف لعقود اللاعبين إن لم يكن أكثر أهمية..
بل إن حدوث الاجتماع هو خطوة إيجابية ونجاح في حد ذاته.. إذ إن مثل هذا اللقاء من شأنه أن يعزز العلاقات بين الأندية ويساهم في رسم السياسة العامة لكرة القدم السعودية ودعم اتحاد القدم وهيئة دوري المحترفين من خلال تقديم رؤية الأندية حيال الكثير من القضايا التي تهم كرة القدم باعتبارها ــ أي الأندية ــ هي الأساس والرافد الرئيس لها..
كما أن من شأن هذه اللقاءات أن تذيب الكثير من عوامل التعصب بين الأندية وتخفف من حدته من خلال تقريب وجهات النظر والتأكيد على العلاقات المتميزة بينها وروح الألفة والتعاون وأن التنافس فقط في ميادين الكرة..
وعوداً على بدء...
وإلى ما أشرت إليه (في منتصف الأسبوع) الماضي فإن مفهوم الاحتراف لدينا لم يتبلور بعد وأن ثقافة الاحتراف ليست سائدة حتى الآن وتحتاج فترة من الوقت لتتبلور في أذهان الكثيرين ولابد من دفع ثمن معنوي لأجل ذلك متمثلا في المزيد من التجارب والممارسة لتصبح جزءاً من منظومة كرة القدم لدينا..
المعروف أن أي تجربة جديدة على مجتمع ما.. تحتاج فترة من الزمن وربما أجيالا تتوارثها لكي تتحول إلى “ثقافة” وتصبح جزءا من تركيبته وواقعه..
وتجربة الاحتراف لدينا في كرة القدم رغم مضي عشرين موسماً على تطبيقها إلا أنها لم تدخل مرحلة النضج بعد..
وهذا له حديث قادم بإذن الله..
مثلث النصر
وتطابق الأضلاع..
أتمنى أن يوفق الكولومبي ماتورانا مع فريق النصر ويحقق طموحات وتطلعات جماهيره..
لكن..
لا أحد يلومني وغيري لو توقعنا انتهاء عقده أو إنهاءه مع نهاية الموسم والاكتفاء بهذه الأشهر الستة
هذا ليس تشاؤماً.. ولكنه امتداد لسابقيه وتشريح لحالة النصر..
منذ يناير 2009 وحتى تاريخه تعاقب على تدريب النصر 6 مدربين عالميين بمعدل مدربين اثنين في كل عام وهم:
ــ يناير 2009 غادر باوزا وتم إنهاء عقده بعد ستة أشهر رغم أن مدة العقد كانت
سنتين ونصف..
ــ يوليو 2009 جورج دايسلفا وتم إنهاء عقده بعد سبعة أشهر وهو الذي حضر قبل بداية الموسم وأشرف على إعداد الفريق.
ــ فبراير 2010 زينجا.. وتم إنهاء عقده بعد عشرة أشهر تخللها فترة التوقف بين الموسمين ومرحلة إعداد الفريق للموسم التالي.
ــ يناير 2011 دراجان وتم إنهاء عقده بعد أربعة أشهر.. رغم أن مدة العقد كانت ستة أشهر فقط (حتى نهاية الموسم)
ــ نهاية مايو2011 جوميز بالإعارة من الرائد ولمدة شهر لمسابقة الكأس.
ــ نهاية يوليو 2011 كوستاس وتم إنهاء عقده قبل أيام وبعد مرور أربعة أشهر فقط بما فيها فترة إعداد الفريق للموسم..
وإذا أضفنا لهم من سبق باوزا وكذلك ماتورانا.. نجد أن العدد يصل إلى ثمانية مدربين في 3 مواسم فقط.. بما يقارب ثلاثة مدربين في الموسم الواحد.. وهي حالة لم تمر على النصر طوال تاريخه مما يعني أن هناك خللا ما يحيط بالعملية..
هذا العدد الذي يمثل رقماً قياسياً سواء كان لدى النصر أو غيره من الأندية يعني أحد أمرين:
إما...
أن جميع هؤلاء المدربين غير مؤهلين وهذا يعني سوء الاختيار لدى الإدارة النصراوية وأن من يتم تكليفه بهذه المهمة لا يملك المقومات التي تؤهله لذلك.. أو أنه يقع ضحية الاستغلال..
ــ أو..
أن بعضاً من هؤلاء المدربين (على الأقل) مؤهل وذو كفاءة عالية وبالتالي فإن العلة النصراوية ليست في التدريب..
وبالنظر إلى تاريخ هؤلاء المدربين ومتابعتهم على أرض الميدان يتبين أن الحالة الثانية هي الأقرب..
المعروف أن عوامل نجاح أي فريق عبارة عن مثلث أضلاعه (الإدارة, المدرب واللاعب) ولابد من تطابق هذه الأضلاع الثلاثة ليتحقق النجاح واختلال أحدها اختلال للعملية..
واللجوء إلى إنهاء عقد المدرب يعود لأحد أمرين:
ــ إما..
أن الإدارة غير قادرة على تلمس أسباب المشكلة وحلها
ــ أو:
هروب من الواقع ومحاولة صرف أنظار الجماهير عن السبب الحقيقي وامتصاص غضبهم.. وهو ما يعرف في علم النفس الرياضي بالإسقاط
مشكلة النصر في السنوات الأخيرة لم تكن تدريبية بقدر ما هي إدارية وعناصرية.. وتعاقب المدربين بهذه الصورة يؤكد هذه الحقيقة..
هؤلاء المدربون أو على الأقل معظمهم كانوا قبل مجيئهم ناجحين في مواقع أخرى وتاريخهم وسجلهم التدريبي يشفع لهم بذلك..
هؤلاء يأتون بطموحات وآمال ووعود بإعادة النصر لمنصات التتويج لكنهم يفاجئون بإنهاء عقودهم قبل البدء في مشروعهم فـ 6 أشهر وهي أطول مدة قضاها أحدهم لا تكفيه للتعرف على عناصر الفريق ناهيك من نجاحه في مشروعه..
ولا أدري ماهي الأسس التي يبني عليها هؤلاء هذه الآمال والطموحات وآخرهم ماتورانا الذي صرح قائلا:
(ستة أشهر كافية لتحقيق الفكر الفني الذي أطمح إليه في النصر)
منذ مدة طويلة.. وربما أن الجيل الحالي لا يتذكر.. أن النصر قدم نجماً بارزاً في سماء الكرة السعودية ناهيك من تقديم أكثر من نجم..وعندما أقول (نجم) فإنني لا أعني فقاعات الصابون ــ وعفواً لهذا التعبير ــ أو بعض المشاريع لنجوم لكنها اصطدمت بواقع معين وسحبا ظللتها فاختفت..
إنني أتحدث عن نجوم لها دورها وتأثيرها في الكرة السعودية لتصنع الفارق وتترجم أفكار المدرب وتحقق آمال وطموحات الجماهير..
نجوم أمثال: ماجد عبدالله, يوسف خميس, صالح المطلق, محيسن الجمعان, فهد الهريفي وعبدالله عبد ربه.. وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم أو ممن سبقوهم بجيل أو جيلين..
لقد أهدر النصر الكثير من الجهود الإدارية والمالية (بما فيها الشروط الجزائية) خلال المواسم الأخيرة على التعاقدات مع مدربين لم يكونوا سيئين بقدر ما كانت الظروف والمناخ الذي عاشوا فيه لا يساعد على النجاح وعلى تعاقدات مع لاعبين أجانب أو تعاقدات محلية كلها لا ترتق إلى مستوى وتطلعات محبي النصر.. بل إلى النصر ككيان وتاريخ..
كان بالإمكان توظيف هذا الجهد المالي والإداري توظيفا صحيحا بالتعاقد مع لاعبين اجانب على مستوى عال من النجومية وعناصر محلية تدوم طويلا في خدمة الكيان ومدرب كفوء يترجم هذه الجهود.. بما يمنح الفريق استقرارا فنيا وإداريا.. وهو أبرز عوامل النجاح وأكثرها أهمية..
لو تم هذا..
لما عاش النصر في دوامة طوال هذه السنوات ومرحلة فقدان التوازن..
ولعاد النصر إلى وضعه الطبيعي كرقم مؤثر وهام في الدوري والمسابقات المحلية والخارجية.. بل وفي تاريخ الكرة السعودية بما ينعكس على أدائها وحضورها في المحافل الدولية..
أعرف (لو) ودلالاتها..
لكنني أقولها من باب التذكير فقط وأهمية مراجعة الذات وتوفير الجهد والمال لتحقيق نجاح حتى وإن تأخر.. فهو خير من هدر لهذا الجهد والمال في نجاح على أمل أن يأتي.. وقد لا يأتي.
بين الأعراف والتقاليد :
تحدث البعض عن اجتماع الأندية الكبار الذي أشرت إليه في بداية المقال.. مشيرا إلى نجاح الاجتماع وفشل رئيس الهلال الأمير عبدالرحمن بن مساعد..
أما مبررات الفشل في نظره فأبرزها تصدر سموه الجلسة.
لن ادخل في تقاليد المجتمع السعودي التي ندركها ويدركها الجميع وما تعنيه وتقدير هذا المجتمع لرموزه الاجتماعية..
لكنني فقط سأتحدث عن نقطة هامة وعرف متداول على كافة الأصعدة والمستويات فقد جرت العادة في كل المؤتمرات السياسية والرياضية واللقاءات والاجتماعات أن يتصدر المضيف الجلسة ويتولى رئاستها مهما كان وصفه ومستواه أو وضع الكيان المنتمي إليه دولة أو اتحاداً..
والهلال كان مستضيف الاجتماع ولهذا فمن الطبيعي أن يتصدر الأمير عبدالرحمن الجلسة بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.
ومن المؤكد أن الاجتماعات المقبلة سيتصدرها رئيس النادي المستضيف كإجراء بروتوكولي.
لم أكن بودي أن أتطرق لهذا الموضوع وهو أقل من أن يستحق الإثارة والحديث.. لكن لأن طرحه بتلك الصورة يساهم في تعميق روح التعصب وإثارة بعض النعرات التي لا مبرر لإثارتها بدلاً من الحديث عن إيجابيات الاجتماع بما ينعكس على وضعنا الرياضي بصورة عامة خاصة في هذه المرحلة التي أحوج ما نكون فيها لمثل ذلك.
والله من وراء القصد.