أقدم من خبر الشاشة
الصحف الورقية تواجه خطر المنافسة غير العادلة من القنوات الفضائية والصحف الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب وغيرها من أدوات نقل الأحداث حال حدوثها وتلك حقيقة واقعة. ويجوز تسمية الصحف الورقية التي لا تحمل جديدا لقرائها في اليوم التالي بأنها في عداد صحف الأمس والمثل الإعلامي (القديم) يقول: (ليس هناك أقدم من جريدة الأمس) واليوم ونحن في عصر الشاشة الكونية (ليس هناك أقدم من خبر الشاشة). وما يحدث حاليا من قدرة الصحف الالكترونية والقنوات الفضائية على التفاعل مع الأحداث لحظة بلحظة لا يمكن للصحف الورقية فعله والأسرع في تقديم الخدمة ليس الأفضل في كل الأحوال فهناك التميز والانفراد والثقة أيضا. والتنافس الكوني المعلوماتي محتدم بين وسائل الإعلام الجديد ولم يعد الحديث فقط عن الصحف الالكترونية والورقية فهناك مواقع التواصل الاجتماعي والاشتراك في الخدمات الإخبارية السريعة عبر الجوال واليوتيوب الذي هو الآخر يشكل خطرا على الفضائيات التلفزيونية. لكن في السعودية تحديدا وفي ظل الزحمة الكبيرة في سوق الإصدارات الصحفية الالكترونية التي يتجاوز عددها الـ500 صحيفة الكترونية فردية ومنها ما هو متخصص في الرياضة إلا أن المهنية العلمية تكاد تكون مفقودة في 99% منها. والأغرب أن بعض هذه الإصدارات الرياضية يتباهى بالأولوية في الصدور وهو كاذب مما يعني أن الاجتهاد هو السائد وضعف الإدراك التوثيقي عند القائمين عليها مفقودة أيضا. والثابت للمتخصصين أن سوق الإصدارات الالكترونية في البلاد لم يبلور بعد في قالب إعلامي مهني والغالبية العظمى والكاسحة من الموجود في السوق لا تعدو كونها اجتهادات لا ترقى إلى مستوى صناعة النشر. والضعف المهني الحاد معلوماتيا وفنيا في الصحف الالكترونية السعودية واعتماد غالبيتها العظمى في نشر ما ينشره الآخرون من صحف ورقية وغيرها دليل على الوهن وعدم القدرة على المنافسة الانفرادية في سوق المعلومات. وهذا يعني أن تواضع صحف النشر الالكتروني كما لو كان يخدم الصحف الورقية التي لازالت قوية إعلانيا وتوزيعيا وسعيدة أيضا بصداعها المزمن بين العنوان والإقفال للطبع head line and dead line. والملاحظ أن الصحف الالكترونية متى ما أرادت أن تكون بحضور لافت لابد لها أن تعمل على الاندماج في مؤسسات صحفية تنتهج النشر الالكتروني كمؤسسات صحفية لها هياكلها التحريرية والمالية ربما إذا بلغت هذه المرحلة يمكن القول إن مضايقتها للصحف الورقية السعودية دخلت مرحلة الجدية. وهذا لا يعني أن الإعلام الورقي في مأمن من الرياح الكونية ويحتاج إلى انتفاضة تصل لحد الصدمة العميقة لإيقاظه من سباته الملاحظ وكأن ما يجري من تطورات في عالم الاتصال لا يشكل خطرا على استمراره إذا بقي على نهجه الكلاسيكي. والتطورات المتلاحقة في عالم الإعلام والاتصال ليست في صالح الوراقين في كل الأحوال والإعلام الورقي إذا أراد الصمود والبقاء جذاباً أو على الأقل محتفظاً ببعض جاذبيته يحتاج إلى سحره من المهنيين المتخصصين في صناعة الإعلام للحفاظ على كيانه من الاضمحلال والتراجع إلى الخلف. والملاحظ حالياً من المعاناة في انخفاض التوزيع والإعلان في صحف من الوزن الفني والمعلوماتي المتوسط بدأت منذ فترة ليست قصيرة وهذا مؤشر على أن من هم أفضل حالاً منهم ليسوا في مأمن من الطوفان الالكتروني. وعالم الاتصال يسير بسرعة كبيرة مما يضع على الصحف الورقية مسئولية التحرك السريع وليتحقق النجاح لابد أن يكون التحرك مدعوماً بمهنية علمية، فقد ثبت أن المهنية الإنشائية المكتسبة أضعف من أن تقوم بدور فعال يبقى إلى حد ممكن الإعلام الورقي في سوق المنافسة. يبقى القول إن رهان الصحافة الورقية للبقاء قوية يتوقف على قدرتها في الانفراد والتميز بموضوعات صحفية خاصة تبقي لها شيئاً من الأهمية والمتابعة اليومية لها، بمعنى آخر أن تصنع الأحداث لا أن تنتظر حدوثها لأن الآخرين أسرع منها بكثير في التعاطي معها.