(إمام) هيئة الصحفيين السعوديين
في عصر الشاشة الكونية وتدفق المعلومات حول العالم بسرعة صاروخية تتجدد في كل ثانية وعصر بهذه السرعة لن يلتفت إلى الوراء لانتظار المتأخرين وسيمضي في طريقه إلى آفاق أدق وأعقد، مصطحباً معه كل من تكيف مع الجديد، وسيتجاوز مادون ذلك ممن يحاولون معالجة بعض السلبيات الإعلامية بطرق تقليدية. ومن الأمثلة القريبة التي تؤشر إلى العودة للوراء في معالجة بعض السلبيات الإعلامية على وجه التحديد وهو موضوع المقال ما أقر مؤخراً بقصر الممارسة الصحفية في السعودية على الصحفيين المعتمدين لدى هيئة الصحفيين السعوديين. وإن كان للإجراء ما يبره لدى من اجتهد وأوصى بهذا الاتجاه على خلفية ما قيل عن تجاوزات وأكاذيب نشرت عن أداء بعض الجهات الحكومية أو مسؤوليها إلا أن إجراء مثل ذلك ليس المسلك الصحيح للمعالجة في عالم الشاشة الكونية. ويفترض المعالجة عن طريق تعزيز أو إنشاء المزيد من المحاكم المتخصصة في القضايا الإعلامية التي بإمكان المتضرر من أية وسيلة إعلامية ورقية أو إلكترونية أو فضائية أوعبر أي وسيلة اتصال أخرى مثل مواقع التواصل الاجتماعي والتقنيات الأخرى أن يلجأ لها لرفع ما يعتقد أنه ضرر وقع عليه. وقرار عقابي قوي بثبوت الإساءة مشفوع بغرامة مالية كبيره كفيل بجعل جميع الوسائل الإعلامية تتحرى الدقة في كل ما تنشره وتبثه كما هو الحال في بريطانيا مثلاً فالقانون هو قوة الردع الفعالة ضد المتجاوزين وليس الإجراءات الاحترازية. وموضوع قصر العمل على منهم أعضاء في هيئة الصحفيين أشبة بمتطلبات بنك التسليف الذي يشترط إحضار تزكية لطالب القرض للزواج أو غيره من إمام المسجد مما يدفع إلى القول أن رئيس هيئة الصحفيين أصبح بمثابة (إمام) هيئة الصحفيين السعوديين وتزكيته تعني جواز المرور للعمل الصحفي. وهذا يعني أن المطلوب من كل من يمارس العمل الإعلامي أن يتجه إجبارياً لتسجيل نفسه عضواً (صامتاً) في هيئة الصحفيين بدفع رسوم الاشتراك السنوية - ليس له حق التصويت إذا كان متعاوناً- كما أن هناك من الزملاء غير مقتنع أصلاً بعمل هيئة الصحفيين السعوديين التي لم يظهر بوضوح من إنجازاتها غير إنشاء مبنى و(جباية أموال الاشتراكات). وقد يتطور الأمر وصولاً إلى لعب هيئة الصحفيين دور الرقيب وهو ليس عملها وهي مصنفة ضمن جمعيات النفع العام لخدمة الإعلاميين ودعم مسيرتهم والدفاع عن مصالحهم. صحيح أن هناك من علقوا آمالاً على أن مثل هذا الإجراء سيعيد تنظيم سوق الإعلام بكافة نشاطاته السياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها وفلترته ممن اسموهم بالدخلاء على المهنة الإعلامية بلا ضوابط كما لو كان حسب وصفهم (وكالة بلا بواب). ولأن الإعلام صناعة ويحكمه قانون السوق القائم على العرض والطلب سيبقى في السوق القادر على المنافسة وستتوارى قريباً فرقة الإنشائيين ومن هم في حكم المجتهدين واحداً بعد الآخر. بمعنى أن البضاعة الإعلامية الرديئة ستموت سريعاً والفلترة ستتم بشكل طبيعي وستأتي على الإنشائيين الذين يفتقدون إلى المهنية الفنية والعلمية في صناعة وبناء وإدارة العمل الإعلامي. يبقى القول أن التضييق على حرية الإعلام بإجراءات قديمة لا يخدم البلاد والعباد والنقد المسؤول الموضوعي المتوازن في الطرح والمعالجة مطلوب في كشف الخلل وهو خير معين لصاحب القرار، فهو يساهم في تصحيح الأوضاع ويلفت الانتباه إلى السلبيات والتجاوزات. وكل عام وأنتم بخير.