الصحافة
لا تكذب
بينما السائد والمعروف والمشاع عنها كمنصة قوية وراسخة ومدججة بكل أدوات النقد وكشف الخطائين والمتجاوزين، ظلت الصحافة طوال عمرها تسكن العراء وتعيش في مرمى سهام يصوبها على جسدها النحيل كل من هب ودب ممن لا يفهم ولا يفقه ولا يعرف أدنى درجات مهنتها ومهمتها وأسرار وخبايا وظيفتها وهدفها وأدوارها..
ظل الناس فترات طويلة من أعمارهم يرددون عبارة “كلام جرايد” كإشارة مباشرة وصريحة وبلا حياء بأن الصحف ما هي إلا مرتع للأكاذيب والدجل وتحريف الحقيقة.. لعلهم الآن وبعد ثورة التقنية والسوشال ميديا لمسوا شيئًا من تلك الحالة التي تلبستهم بلا وعي.. الصحف ليس من بين أهدافها الخروج كل صباح بحزمة وافرة من التزييف والافتراء والأباطيل.. ليس هناك رئيس تحرير في التاريخ قدم هدية ومكافأة لمحرر أو مراسل لأنه أشاع كذبة تداولها الناس.. الصحف لديها جيش من الصحفيين والكتاب والمراسلين، وكل منهم ينشر خبرًا أو رأيًا أو معلومة.. ربما تكون غير صائبة أو غير صحيحة، لكن الصحيفة لا تتعمد أبدًا نشر الكذب والتضليل والاختلاق.. الذي يأتي بمعلومة ملفقة يحمل وزرها وحده.. عشرات الصحفيين فقدوا مواقعهم ووظائفهم بسبب معلومة خاطئة لم يبذلوا جهدًا كبيرًا للتيقن من واقعيتها ومصداقيتها.. الكذب في الصحافة هو نتاج وسلوك بشري وإنساني بريئة منه المهنة براءة الذئب.. لا يتصل رئيس التحرير بالصحفيين مطالبًا بكذبة أو شائعة.. هذا لا يحدث، هذا جنون.. قبل أيام ظهر أحد الذين يسمون بمشاهير السوشال ميديا، ممسكًا بأحد الصحف وموجهًا نقدًا مباشرًا لخبر ظهر على الصفحة الأولى، والحكاية وتفاصيلها طويلة والمآخذ عليها كثيرة، لكن فقط يمكن الإشارة إلى أنه وصف الخبر بالمقال، ثم طالب بلغة ساخرة وعبارات فوقية بأن يأتي الصحفيون إلى استراحته ليعلمهم كيف يكتبون..!!
السوشال ميديا مكتظة بناقلي الأخبار الكاذبين ورواة القصص والحكايات التافهة، التي ليس لها وجود إلا في خيالات العجائز.. ربما الآن وأكثر من أي وقت مضى تتحصل الصحافة على البراءة من اتهامات الكذب.. أعرف أن الوقت تأخر كثيرًا، لكن الجميل في القضية أن الصحافة تتفرج بعد أن أصابها الكبر واشتعل رأسها شيبًا بجوقة الكاذبين يمرحون ويسرحون ويصدرون كلامًا لا تصدقه عقول الصبية الصغار، وعلى رؤوس الأشهاد، وهذا برهان ودليل براءتها.. أعتقد الصورة واضحة..!