الصورة
أحيانا مهمة
المصور ليس صحفيًّا.. لكنه أحيانًا يصبح أهم رجل في الجريدة.. ضغطة زر خاطفة تجعل منه سيد الحفلة.. صالة التحرير تسمى مجازًا بالمطبخ الصحفي؛ كونها الموقع الذي تتجهز فيه وجبات اليوم التالي، حتى تأتي ساخنة صالحة للأكل على مائدة القراء..
الكبسة أشهر وأهم وجباتنا نحن السعوديين.. يبدو لي أنها مثل كرة القدم.. مقاديرها سهلة وواضحة وتتقبل الإضافات في حدود معينة ولا تحتاج أي فلسفة.. وكل يسويها على مزاجه.. تحتاج الصحيفة يوميًّا للكبسة التي تمثل الخبر الرئيس أو الخبر الأهم بين صفحاتها.. يأتي صحفي بالبصل والطماطم.. يأتي صحفي بالزيت.. يأتي صحفي بالأرز.. يأتي صحفي بالبهارات.. وأهم الصحفيين سيأتي باللحمة.. وحينما يدخل المصور ضمن الطاقم الذي خرج بحثًا عن إتمام مقادير الكبسة، فإنه لا يكتفي بقطع اللحم.. قد يجلب الحاشي بشحمه ولحمه.. وكما يقول المصريون: “مقطع السمكة وديلها”..
قبل وفاة الأمير عبد الرحمن بن سعود ـ أسكنه الله فسيح جناته ـ بيومين، طلبت “الرياضية” من زميلنا السابق المصور محمد الدوسري قضاء يوم كامل مع ذاك الرمز الراحل.. كانت علاقته مع “الرياضية” بدأت تأخذ منحى توافقيًّا عقب خلاف طويل.. استهلكنا كافة صوره الأرشيفية.. احتجنا للتجديد بحكم العلاقة المتجددة.. ذهب الدوسري إلى نادي النصر والتقط صورًا كثيرة للأمير.. داخل التدريب.. مع اللاعبين.. وسط الجماهير.. لحظات دخوله وخروجه من النادي.. لولا أن الصورة الأهم كانت داخل مصلى صغير في طرف النادي العاصمي الأصفر.. أدى عبدالرحمن بن سعود صلاة العشاء ثم تأخر يناجي ربه.. لم يكن في المسجد سوى الأمير والدوسري.. رفع الراحل يديه للسماء والتقط الدوسري تلك اللحظة الخالدة.. بعد يومين فجع الرياضيون والسعوديون بخبر وفاة عبدالرحمن بن سعود.. لم نجتهد كثيرًا في اختيار الصورة الرئيسة لذلك اليوم الحزين.. احتلت صورة المسجد واليدين المرفوعتين الصفحة الأولى كاملة، مع عنوان بكلمات معدودة “وسكت القلب الطيب”..
مع بقائه العريض داخل الوسط الرياضي وسنواته الممتدة في عوالم الرياضة وكرة القدم، وآلاف الصور التي اختطفتها عدسات المصورين، إلا أن تلك الصورة احتلت أهم صورة للفقيد.. بعد أشهر قليلة خاطب نادي النصر الجريدة طلبًا لهذه الصورة التي علقت فيما بعد وسط ملعب النادي الذي يحمل اسمه.. أظنها أصبحت أهم صورة في تاريخ عبدالرحمن بن سعود، وبالتأكيد و100 في المئة أهم صورة التقطها محمد الدوسري..
الزميل يوسف الدبيسي مصور ورث المهنة عملًا وحبًّا من والده الفاضل، الذي ظل قرابة الثلاثين عامًا مصور أرامكو.. شقيقه عيسى ضمن أسلحتنا القوية في “الرياضية”، شقيقته أيضًا مصورة.. عائلة كهذه لا يمكن الحديث عن التصوير في المملكة دون الإشارة إليها..
تنقل يوسف بين العديد من المحطات، وحين تسأله عن أهم صورة في تاريخه يظل محتارًا ولا يعطيك إجابة محددة.. هذه الحيرة وحدها تدل على معنى أن تكون مصورًا محترفًا ومبدعًا ومتميزًا.
إنها عائلة الصورة الحية والكلام عنها بشيء من الاختصار، إنما هو إجحاف مع سبق الإصرار والترصد..
أعود سريعًا للمصورين وأقول لهم: إنكم لا تعيشون في الصحف كلاعب الاحتياط أو المتفرجين أو المدربين.. إنكم الهدافون النادرون.. متى ما استوعبتم وآمنتم بهذه الحقيقة الدامغة.. صنعتم الفرق وجبتوا لحم الحاشي..!!