2019-04-25 | 22:18 مقالات

الحس أهم..!

مشاركة الخبر      

يتمايز الصحفيون عن بعضهم.. كما هي المهن الأخرى، وكما هم العاملون والموظفون والمنشغلون في أدوار لا تتشابه.. يختلف الناس، فأصابع أيدينا ليست متساوية، كما يقول المثل الصامد في وجه كل المتغيرات.. الخبرة والمهارة والفطنة والمعرفة قد تجتمع في جسد واحد، فيصبح الطريق ممهَّدًا لتسجيل النجاح والتفوق.. هناك ميزة إضافية، تضعها الصحافة وحدها دون غيرها في حساباتها واهتماماتها، تتمثَّل فيما يسمَّى "الحس الصحفي"..
هذا الحس يشابه "النفس" في الطبخ.. ليس تشابهًا متطابقًا، لكنني فقط أحاول تقريب المسافة، وتبسيط المسألة، وإيضاح الصورة.. يمكن القول: إن الحس الصحفي يعني بتعريف دقيق الفراسة التي يتباهى بأمثالها العرب القدامى..
الحس يعني معرفة حاجة السوق، ومطالب القرَّاء، والخبر، أو التقرير، أو العنوان، أو التحقيق الذي يشكِّل أهمية كبرى لمتابعي الصحيفة.. يعني الالتقاطة التي يغفل عنها الجميع، فيما هي الضربة القاضية.. يعني الذهاب إلى منطقة، يظنها الظانون مهجورة وموحشة بينما ينبت فيها الورد والياسمين والأشجار الباسقة..
الحس أهم ما يميِّز الصحفيين.. وهذا شيء غير قابل للتعلم والتعليم، أو البحث والتطوير.. إنه مثل لون البشرة، وطبقة الصوت، ووجوه الأصدقاء.. أشياء لا يمكن اختيارها، أو تعديلها، أو تغييرها..
أحيانًا كثيرة، ينجح الصحفي في المهمة، ويظل زمنًا طويلًا اسمًا بارزًا وقويًّا، وهو لا يملك من أدواتها وأسلحتها سوى هذا الذي يسمَّى بالحس، ومن خلاله يبني لاسمه ونفسه صفةً قويةً ومضافةً، تتركه منفردًا عن كل أقرانه..
البحث عن صحفي موهوب، يبدو أمرًا شاقًّا، وكلما تغيَّر الزمن، وتبدَّلت الأدوار، صار هذا البحث أكثر صعوبةً، وأكثر تعقيدًا، أما البحث عن صحفي يملك الحس، فهو شائك أكثر بكثير، لأنها أمور لا يمكن معرفتها، أو التفتيش والسؤال عنها.. مع الأيام والتجارب، تكتشف الصحف، وتفرز العاملين معها وفيها مَن تتملَّكه هذه الخاصية التي تقوم عليها الصحافة بكل تجلياتها وتطلعاتها وسباقها المحموم من بين كل الوسائل الأخرى.
كيف يصبح الخبر الجاف والعادي والهامشي في واجهة الحدث.. يصبح كذلك حينما يتولاه الحس الصحفي، ويأخذه بعيدًا إلى مكان مناسب، حيث تتجلَّى أهم خصائص الصحفيين.. أصحابي الصحفيون المحترمون، إذا كنت ممن يقال له: إنك تمتلك حسًّا صحفيًّا. فنم قرير العين، مطمئن الخاطر، فأنت في هذه الحالة فقط يمكن القول لك: إنك عملة نادرة. كما يقول الكوريون للاعب الذي يسجل أهدافًا باستمرار.