وإنْ لم يصحّ الحديث!
ـ نسمع ونقرأ كثيرًا، وبصياغات متعددة، تلك الوصيّة الطيّبة الدّاعية لأنّ نفكّر بالمقولات بعيدًا عن أسماء أصحابها، في محاولة لأن لا نغلق الأبواب على أنفسنا ونصدّ الجمال والحكمة!.
ـ عدد كبير من المقولات المضيئة والقادرة على تنوير عقولنا وإضفاء رحابة في صدورنا، تُصَدّ وتُرَدّ بالفعل فقط لأننا نبغض قائلها، أو نرتاب منه!. ولا أرى في هذا إلا غيرةً في غير محلّها، وحَسَدًا لصواب فكر من تدبّر وصاغ!. حسَدًا لا نضرّ به إلا أنفسنا، ولا نُنقص به إلا من قَدْرنا!.
ـ غياب الإنصاف مردّه البغض، والبغض طريق ظُلم، وهو أشد ما يكون حيْفًا وأذى، حين نظلم أنفسنا بأنفسنا، بمجافاتنا ومجانبتنا وإعراضنا عن سلامة القول أو جمال معناه أو فطنة تدبّره وحسْن مقاله ومناله، فقط لأننا نشك في سلامة نوايا قائله، أو لأنّ لنا موقفًا مُسْبَق البغض من صاحبه!.
ـ خاصةً حين تكون مواقف الجفاء والارتياب هذه ناتجة لا عن تجربة شخصية متعمّقة وبحث ولكن عن تعوّد سماعنا لارتياب الآخرين منهم، إمّا لجنسيّاتهم، وإمّا لمعتقداتهم الدّينيّة، وإمّا لأفكارهم وظنوننا أنهم ما توصّلوا إلى ما توصّلوا إليه إلا بقصد التقليل من شأننا أو هدم معتقداتنا: "تشارلز داروين" مثال صارخ في هذا الشأن!.
ـ على اليوتيوب، تابعت بالصدفة مقطعًا لأحدهم يخطب في جمعٍ: "الحكمة ليست ضالّة المؤمِن"!. بناءً على أنّ الحديث ضعيف!.
ـ لا أرى في ذلك إلا غلظةً مستبدّةً وفهمًا سقيمًا مُنغلقًا. ذلك أنّ الحكمة ضالّة كل مُتدبّر، والمسلم مأمور بالتدبّر!.
ـ لا العقل ولا المنطق ولا الضمير ولا الخلق الكريم ولا أي أمرٍ طيّب آخر، يمنع ويحول بيننا وبين صواب القول بأنّ الحكمة ضالّة المؤمن!.
ـ حديث حتى حين نقرّ بضعف إسناده فإننا لا نجد دليلًا واحدًا أو إشارة من قريب أو من بعيد فيما وصلنا عن خاتم الرُّسل عليه السلام يرفضه أو يحذّر منه. سيرة الرسول الكريم كلها، قولًا وفعلًا، لا تدلّ إلا على صواب معنى هذه المقولة!.
ـ وجه آخر للعُملة الطّيّبة، فكما أنّه يتوجّب علينا التفطّن إلى ما في الحكم والأمثال والأقوال من خير وجمال، بعيدًا عن موقفنا من أصحابها، فإنه يتوجّب علينا أيضًا فيما أظن وأعتقد، عدم قبول كثير ممّا يُقال لنا فقط لأنّ لأسماء قائليها هيبة وتاريخًا من الوقار العاطفي!.
ـ من الفطنة أن يحذر المرء من المقولات التي لا تحتمي إلا بأسماء أصحابها!.
ـ فيما عدا القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الصحيحة المؤكّدة، فإنني أقترح عليكم يا أحبّتي ما أقترحه على نفسي: خذ القول، فإن كان قائله ممّن تكره، غيّر الاسم في ذهنك ووجدانك للحظات واختر من الأسماء أحبها إلى قلبك وتخيّل أنه القائل!. وإن كان قائله ممّن تُقدّر وتحترم وتهاب، خذ القول واقترح من خيالك اسمًا لا تُبغضه أبدًا واعتبره صاحب القول!. بعدها فكّر وتدبّر واحكم بنفسك!.
ـ فيما نأخذ ونردّ، إنما نحكم على أنفسنا، لا على صاحب الحكمة والمثل والمقولة والسيرة والأثر!.