رفّ من مكتبة الشيخوخة!
ـ أيّها الشّاب الفتيّ الحيويّ المفعم بالنشاط والقُدْرَة وحب الحياة، هل تدري يا ولدي ما أنتَ فيه الآن؟! إنك تزرع حديقة شيخوختك!. تفعل ذلك دون أنْ تدري، وهذا أمر طيّب، لكن الأطيب أن تكون على دراية، وأطيب من الأطيب أن لا تُثقل هذه الدّراية عليك، وأنْ لا تُقلّل من حيويّتك ونشاطك وإقبالك على الحياة، انطلق!.
ـ لا تخف من الشيخوخة، ولا تهتم لأمرها، طالما أنك تستثمر شبابك الفتيّ بالحب والأمل والنجاح والنهوض بقوّة أكبر وبحماس أشد بعد كل عثرة!.
ـ انطلق، واستمر في انطلاقاتك إلى أبعد أبعد مدى، استمتع واعشق وصادق وتطهّر وقدّم يد المساعدة لمن يحتاجها، وتعلّم واقرأ وامرح واتّق الله في كل ما تقول وتعمل، واهتم بصحّتك: أنت بهذا تزرع حديقة شيخوتك بأجمل النباتات والفواكه والورد!. ما أنْ تصل إلى شيخوختك بعد عمرٍ طويل بإذن الله حتى تستظل بما زرعت وتقطف أطيب الثمر!.
ـ لا تهدر طاقاتك، ولا تبعثر وقتك بمحاولة إصلاح الناس وتنسى نفسك!. حتى لو طابت النوايا حاول تأجيل مثل هذا الأمر إلى وقته الطبيعي!. ووقته الطبيعي يا ولدي حين تكبر في السن، حين تحقق نجاحًا يتمناه الشباب فيستمعون إليك بتقدير النجاح وتوقير السّن!.
ـ بخصوص النصائح ونقل الخبرات، حاول أن تُبقي لسانك في فمك قدر المستطاع!. الصِّبا والشباب ليس العمر المناسب لاستخدام عضلة الّلسان بالقدر الذي تظن!. لديك عضلات أخرى وهذا وقتها، وسيأتي دور عضلة الّلسان.. لا تستعجل!.
ـ إنْ كنتَ ممّن يُحبّون الكتب، أشير إليك بمجموعة كتب: "مرحبا يا عمري السبعين" لعزيز نيسن. معه ستتأكّد من أمرين، أحدهما ضرورة أن تجتهد بكل قواك للحصول على أوقات طيّبة لا تُنسى!. وأحدهما أنه يجب على كل إنسان أن يُثْبِت نفسه للآخرين بالطريقة التي يراها مناسبة، بطريقته الخاصة التي تُناسبه هو أولًا، وإلّا فالحياة تكون فارغة لا قيمة لها!.
ـ بإمكانك أيضًا قراءة "الشيخ والبحر" لهمنجوي، ولسوف يحرّضك على أن تحيط شبابك بأكبر قدر من الصّحبة الطّيبة والعلاقات الثّريّة، وهجر العزلة والوحدة إلى أن تصبح قدرًا محتومًا رغمًا عنك: "يجب ألّا يبقى المرء وحيدًا إذا تقدّم به العمر، ولكن هذا لا يُمكن تلافيه"!.
ـ احفظ الدرس ولا تخف ولا تقلق، أنتَ إنْ أحطت نفسك بالأحبة والأصحاب الرائعين والحكايات الطّيبة المرحة والعميقة، فلن تجد في وحدة الشيخوخة ما يُزعج، بل على العكس، ربّما تجد في مثل هذه الوحدة حين يأتي زمنها، فرصة لتذوّق أشهى الذكريات بمزاج ولا أطيب!.
ـ كتاب ثالث ممتع هو "زوربا اليوناني" للرائع "كازانتزاكيس"، ولسوف تُدرك "أنّه من الأخطاء المميتة أن تنتهك قوانين الطبيعة العظيمة. يجب أن لا نستعجل الأمور، ويجب أن نتحلّى بالصبر، لكننا يجب أن نطيع الإيقاع الأبديّ"!.
ـ احفظ اسم هذا الروائي العظيم جيدًا: كازانتزاكيس، أكرّر الاسم كازانتزاكيس "عاد.. انت الله يهديك احفظ الاسم كاملًا: كازانتزاكيس.. لا تكتفي بكازا.. وتقول: نصيحة فهد)!.
ـ هذا إنْ كنتَ من عشّاق الأدب!. أمّا إنْ كنتَ من عشّاق الحكمة فعليك بكتاب: "في مديح الشيخوخة" لشيشرون. كُتيّب صغير مذهل، ألّفه الحكيم الروماني الأشهر قبل أكثر من ألفين وخمسين سنة، وما زالت درره تتلألأ: "لا يُمكن للشباب التّعيس أن يكون أكثر سعادة وهو يتقدّم في السّن"!.