الحياة دون
فن وأدب!
لم يعد أمرًا عبثيًّا، ومن الخطأ الذي أحسبه يبلغ مبلغ الإثم: الظّنّ بأنّ وقت الفنون والآداب قد فات، وأنّ الحديث عنهما صار مسألة قديمة: "يتحدّث عن الكتب.. إنه قديم"!.
ـ مثل هذا الفكر المنتج لمثل هذه القناعات يجب أن يُحارب، أو أنْ يُجابَه على الأقل، وعلى كل مثقف وأديب وفنان مبدع أنْ يتمسّك بالتجربة وأن يفخر بخبرته الجماليّة، وبطريقة عيشه بناء على معطيات الفن وعطاءات الأدب، وأن يقبل التحدّيات بنفس طيّبة وبعنفوان صبور ومرح!.
ـ الإصرار على الفنّ والأدب، على مديحهما، وعلى توكيد أهميّتهما وضرورتهما، وعلى التنبيه لقيمة الجمال الذي يمكن لهما منحنا إيّاه، مسائل لم يَفُت عليها الزمن، على العكس تمامًا، حاضرنا الذي نحن فيه الآن يمثّل الزمن الأكثر استحقاقًا لمثل هذا النضال الشهيّ!.
ـ ظنّي أنّ الحثّ على الفنّ والدفاع عن الأدب لم يكن أمرًا واجبًا مثلما هو اليوم، وحين أقول اليوم، فأنا أُشير بضرورة التّحدي مُتماسك القُوى والأعصاب والطموح والرغبة والإصرار لمواجهة ما وصل إليه العالَم من سيل الاستهلاك المادّي التجاري البعيد عن المشاعر والفكر والقِيَم الجمالية بدءًا من العدل والمعروف وانتهاءً بالبهيج والنّضِر!.
ـ زمن الوجبات السريعة في كل شيء هذا، سيبدّد أعمارنا دون جدوى، ودون وصول إلى قيمة حقيقية واحدة تستحق العيش من أجلها والفخر بالدفاع عنها!.
ـ مرعبٌ هذا النجاح الرأسمالي في توجيه الأدمغة إلى أنّ الملموس أكثر أهميةً من المحسوس، وأنّ فارق هذه الأهمية جدير برَمْي المحسوس في أقرب سلّة مهملات حتى لا يُضيع وقتنا بهرفِهِ وهذيانه!.
ـ مصدر الرّعب هنا يكمن في أنّ الإنسانيّة اقتربت فعليًا وعمليًا من التضحيّة بأطيب ما في الحياة: الحب!.
ـ السخط من تغليب النجاح على الجودة في كل أمر وكل وقت وكل حالة، هذا أقل ما يتوجّب على المثقف والأديب والفنّان إعلانه بحسم مدوّي!.
ـ ذلك لأن الاستسلام له أو عدم منحه ما يستحق من سخطٍ سينتهي بالإنسانية فعلًا إلى ركل الحب وإغلاق الباب دونه إلى أن يموت الحب من البرد في الخارج، بينما نموت نحن في الداخل من الهمبورجر وقضمه على طريقة أشهر فاشينيستا ليلتها!.
ـ في رواية "الصقر المالطي" وبسبب فهمه للحياة على أنها ليست سوى المال والنجاح، يقود البطل "المُخْبِر!" حبيبته إلى موتها، يُجلسها على الكرسي الكهربائي، تسأله: لماذا؟!.. ألم تعد تُحبّني؟!، يردّ: لا أدري ما معنى هذا!، هل ثمّة من يُحبّ أبدًا؟!، ولنفرض أنني أحبك، فماذا بعد؟!، قد لا أحبك في الشهر القادم!، وماذا سيحصل؟ سأشعر بأنني غبي!.
ـ سُحقًا للذّكاء الذي سيحرمنا من غباء الحب!. سُحقًا للفطنة التي ستُخلّصنا من هَبَل العاطفة!.