السؤال الذي أفقد الأدب اتزانه!
ـ من فرضيّة مجنونة بعض الشيء، لكنها ليست هشّة، خاصةً مع التقدّم في القراءة، وكأنّ كل صفحة من الكتاب قُبّعة ساحر، كلّما رَفَعْتَها تقافزت منها أرانب حُجَج عميقة!. يسترسل "بيير بايارد" في بهلوانيّة شيّقة، تنتهي بوجود هذا الكتاب العجائبي بين أيدينا، ووجودنا بين أوراقه بعيون وأحاسيس غير تلك التي دخلنا بها قبل قراءته!.
ـ "ماذا لو غيّرت الأعمال الإبداعيّة أسماء مؤلّفيها"؟!. بهذا السؤال عَنْوَنَ "بيير بايارد" كتابه، ليُدخلنا في اللعبة مباشرةً، وهي لعبة قائمة، مثلما هو واضح، على إفقاد النقد الأدبي حصافته واتزانه من الّلكمة الأولى!.
ـ بقيَ هذا الكتاب في مكتبتي فترة طويلة قبل أن أقرر قراءته. أظنني كنت خائفًا من صدمة ألا تكون الإجابات بمتعة السؤال!، وألا يكون الكتاب بفتنة العنوان!.
ـ لكن الكُتُب تساند بعضها!، لم أشك في ذلك أبدًا!. والحقيقة أنني نسيت الآن من أيّ عين جاءت الغمزة، من مانغويل أو من كونديرا، لكن أحدهما غمز لي ناصحًا ومؤكدًا أنني أمتلك كتابًا مهمًّا يستحق القراءة!.
ـ الغريب أنني لم أتعب في البحث عنه، وهو أمر لا يحدث كثيرًا مع شخص لا يُرتّب مكتبته إلا ليبعثرها من جديد!. ما إن تلفّتُّ متحسّسًا بأصابعي حتى وجدته، وبالنسبة لي فإن لسرعة الاستدلال دلالة وجدانية لا أقدر على شرحها، لكنها خليط من السعادة والخجل!.
ـ إحدى فرضيّات الكتاب قائمة على وجود احتمالية دائمة ولو بنسبة بسيطة بوجود خطأ تاريخي أو تزوير ما في نسبة الأعمال الإبداعية الكبيرة للأسماء التي عُرِفَت بها. أشهرها شكسبير، الذي ومنذ اللحظة التي حكّ فيها فرويد رأسه بخصوصه، صارت شخصيته مثار جدل غير قابل للانتهاء!.
ـ لكن، أبدًا، لم تكن هذه الفرضيّة أهم ما في الكتاب!. ما هو خارج التاريخ وداخل الفكرة الأدبية المجنونة هو الأهم: ما الذي يمكن حدوثه لنا وبنا وللكتب وبها من تغييرات فيما لو قرأنا الكتب بأسماء جديدة لأصحابها؟!.. وإلى أي مدى يمكن لنا فعليًّا الحصول على كتب جديدة تمامًا، أو بشكل كبير، جرّاء مثل هذا القرار الساخر وغير المنصف تاريخيًّا؟!.
ـ النتيجة مهولة ومرعبة وممتعة وغرائبية أكثر مما يمكن لنا تخيّله بكثير!. هذا أمتع ما في الكتاب ومصدر أهميّته!. ومنذ البدء يقدّم لنا الكتاب حَبّة ملبّس بدفاعه عن نظريّته: "كشوف علميّة كثيرة تحقّقت لأن من قاموا بها أخطؤوا الاتجاه واكتشفوا، من دون قصد في الأصل، سبيلًا جديدًا، ما كانت لديهم فكرة أو فرصة لفتحه لو لم يُخطئوا"!. بعض الأخطاء تُكسب أصحابها حظًّا سعيدًا، وربما مجدًا فوق ما كانوا يحلمون به، ابتسامة كريستوف كولومبس تبصم على هذا بالعشرة!.
ـ في هذا الكتاب، ومن خلال فكرته الكاريكاتيريّة الممسوسة، سنصل، أو نقترب من أمر عجيب، لم يخطر في البال من قبل، وهو أن "كل اسم لمُؤلِف هو رواية" أيضًا!، رواية قادرة على قلب كل رواية وأي رواية!.
ـ وأنّ القارئ يمكنه بتغييرات جزئية أو كليّة، متقصّدة أو نتيجة قلّة معرفة، على أسماء المؤلفين، ليس فقط الحصول على كتب خاصة به تمامًا بقراءات ليست لسواه أبدًا!، بل أيضًا يمكنه من تعديل أو تبديل حتى مغزى القصص ونهايات الروايات!.
ـ "ماذا لو غيّرتِ الأعمال الإبداعية مؤلّفيها" كتاب يُدخل القارئ في صميم العملية الأدبية، ليس ضيفًا هذه المرّة ولا متلقّيًا، ولكنه مبدع جديد للنص!. جديد بالضرورة وليس حقيقيًّا بالضرورة!. كتاب يلمز محرّضًا: قليل من التطفّل الجسور يكفي!.
بقي أمر طريف: الترجمة العربية احتارت في اسم الكتاب، أو سَهَتْ فأخطأت!، فللكتاب عنوانان في نفس النسخة والطبعة ولنفس المترجم محمد أحمد صبح!. صحيح أنهما بنفس المعنى، لكن هذا أمر لم يسبق لي ملاقاته في كتاب آخر!. على الغلاف: ماذا لو غيّرت الأعمال الإبداعية مؤلفّيها، وما إن تقلب صفحة الغلاف حتى يصير: ماذا لو غيرت الأعمال الأدبية والفنيّة مؤلّفيها؟!.