2019-11-15 | 00:39 مقالات

الصحافة بلا كلمة

مشاركة الخبر      

تتساقط أساسيات صحفية دائمة وثابتة من المعادلة كما تتساقط أوراق الخريف.. تساقط الأوراق لا يعني أن الشجرة تعاني وستموت.. وتساقط الثوابت أيضاً لا يدل على أن الصحافة تمشي إلى مثواها الأخير.. أبرز ما تركته الصحافة خلف ظهرها هو الكلمة.. أقصد كلمة الصحيفة.. وأقصد الصحف العربية فقط، وإلا فإن عالم الغرب لم تتغير فيه الصحافة ولا ثوابتها ولا قواعدها ولا أساسياتها.
كانت كلمة الصحيفة أهم الأركان التي تستند عليها أي مطبوعة في مصافحة قرائها.. من خلالها تقدم وجهة نظرها ورؤيتها وتحليلها وقراءتها لوقائع الحياة.. في الصحافة السعودية كانت كلمة الرياض هي الأبرز والأشهر.. ظلت سنوات طويلة تلخص لقارئها كيف يسير هذا العالم.. من قوتها وعمقها كان السؤال يتردد كثيراً عن هوية الرجل الذي يطرح تلك الانطباعات بلغة ساحرة ولا أحد يعرفه خارج مبنى الصحيفة.. كانت الإجابات كلها تدور حول رئيس التحرير الراحل تركي السديري ـ رحمه الله ـ ويوسف الكويليت، وهذا بالطبع كان اسماً مجهولاً تماماً وتتردد حوله الأساطير.. فيما بعد ظهر الكويليت لسنوات يكتب الكلمة باسمه قبل أن تعود كلمة الرياض مجدداً دون توقيع، لكن هذا يحدث بعد أن فقدت الضوء الكثير الذي كان يحاصرها.. وما يقال عن الرياض يقال وإن بدرجة أقل عن كل الصحف في المحيط العربي.. في الصحف الدولية العريقة لا تزال كلمة الصحيفة تحتفظ بمكانتها وأهميتها، وليس هناك أي مبالغة حينما نقول إن هذه الكلمات تفتح لها أبواب البرامج والمحاضرات والمناظرات للتحليل والدراسة وتشخيص الواقع، لأنها تعبر عن رأي عميق للحدث أولاً، ولأنها تمثل بوضوح ما تريد الصحيفة قوله أو نشره أو تمريره..
تعاملت الصحف العربية بالتهميش والتسطيع والتجاهل مع كلمة الصحيفة.. بعض الصحف ألغتها تماماً وما عاد لها مكاناً ولو ضيقاً بين صفحاتها.. بعضها تركها لمجرد التواجد والحضور الشرفي وصارت تستندها وتوكل كتابتها لأي صحفي في الجريدة دون التباحث والتشاور على الهدف، أو التركيز على قضية تستحق تسليط الضوء.. بالطبع هذا يعود قبل كل شيء إلى تغير المزاج العام لقراء الصحف، لكن الأكيد لو كانت الصحيفة تؤمن بأهمية رأيها وكلمتها لما تنازلت عنها ولما تركتها تموت مثل أوراق الشجر المتساقطة.. الشجر لا يموت كما قلنا في البداية.. الأوراق هي التي تذرها الرياح وتعصف بها الشوارع المظلمة فتصبح نسياً منسياً..
كلمة الصحيفة ماتت في الصحافة العربية.. فيما لا تزال وكما قلت حية ترزق في صحافة الجهة الأخرى من العالم.. الفرق يعطيك مؤشراً واضحاً لطول المسافة.