شعر وكاريكاتير وكلمات متقاطعة
الوظيفة التي قامت عليها الصحافة هي الخبر.. ومن هذا الخبر توالدت كافة فنون الصحافة الأخرى.. ظهر التحقيق وظهر التقرير وظهر الاستطلاع وظهر المقال.. والخبر الجيد بالطبع يحتاج إلى صورة تكمل أركانه وتعطيه مزيدًا من المصداقية..
هناك أشياء كثيرة تعاطى الناس معها على صفحات الجرائد وكأنها من أساسيات العمل الصحفي، لكنها لا تعدو كونها أشبه بالزوائد أو المقبلات أو الإضافات والبهارات على سطح وجبة دسمة.. الشعر والقصائد ونشرها ضمن هذه الجوقة.. الكلمات المتقاطعة التي يتسلى بها القراء ويختبرون بواسطتها ثقافتهم ومخزن معلوماتهم أيضاً تدخل بكل قوة في هذه الدائرة.. الكاريكاتير يقف بثقة وسط تلك القائمة حتى أصبح فناً مستقلاً بذاته وله مدارسه ورواده وعباقرته.. نجح الكاريكاتير وحده ليحتل مكاناً بائناً في خارطة الصحافة الدولية والعربية.. هناك أسماء فنية استطاعت أن تصبح رسوماتها وأفكارها الأهم بين مواد الصحيفة.. على المستوى المحلي السعودي يبرز بوضوح عبدالسلام الهليل وحكايته مع جريدة الرياض.. بالطبع هناك أسماء كثيرة في عدة صحف، لكن الهليل وحده الذي جعل الناس لا يمكنها مغادرة صفحات الرياض دون البحث عنه والتوقف عنده..
هذا نجاح كبير.. كان فن الكاريكاتير سيعاني كثيراً دون أن تمنحه الصحافة تلك المساحات.. الشعر يمكنه التنفس والحضور بالأمسيات والدواوين المطبوعة.. أكيد الصحافة دعمت الشعراء وقدمتهم كنجوم ومشاهير، لكن الكاريكاتير لم يكن سينمو ويتطور ويزدهر ويصل للناس دون الالتحاق بمراكب الصحافة.. المعارض الفنية لا تملك الحد الأدنى من الشعبوية الاجتماعية.. لها جمهورها البرجوازي الخاص.. قد يحقق الكاريكاتير شعبية جارفة، لكنه لن يستطيع التمدد من دون الصحافة.. الكاريكاتير يعتمد على كوميدية الموقف وقراءة الأحداث بطريقة ساخرة.. هذا لا يمكن للمعارض الفنية مجاراته، فالأحداث تتسارع وتتسابق والزمن لا ينتظر ولا يبقى في مكانه، ولهذا وجد الكاريكاتير الصحافة جاهزة تماماً لتساعده على الانتشار والوصول للعالم.. من دون الصحافة كان الشعر سيعيش، فهو أولاً وأخيراً فن أدبي ولد قبل مئات السنين، لكن الكاريكاتير أمر آخر تماماً..
أريد القول فقط إن هناك فنونًا ما كانت لتعيش أبداً من دون السيدة الفاضلة الصحافة مهما حاولت وسعت، وهناك أيضاً فنون تحتاج إلى الصحافة لكن يمكنها الاستغناء عنها.. الشعر والكاريكاتير يعطيان صورة واضحة لما تفعله الصحافة بأشياء كثيرة ليصبح الخبر أولاً وأخيراً ثروتها وكنزها الثمين.. أشرت إلى الخبر لأنه القاعدة.. ثم ذهبت لأقول إن الشعر وجد مساندة صحفية كبيرة لكن يمكنه العيش والتعايش من دونها.. ذكرت الكاريكاتير لأقول إنه سيبدو مثل اليتامى في ليالي العيد من دون صحافة.. أعتقد الفكرة واضحة..