الاستطلاع..
كيف يعود؟
الاستطلاع في الصحافة يعني عرض واحدة من قضايا الحدث على الجمهور بحثاً عن رأي عام يوضح رؤية الناس للأشياء من حولهم.. هذا فن صحفي شهير بدأ يتلاشى بحضرة القوة الإلكترونية وتسارع سيطرة السوشال ميديا على المشهد الإعلامي، فكل شاب أو مراهق بإمكانه الإدلاء برأيه ورؤيته في أي من المستجدات وبعشرات الطرق..
هناك عبر السناب شات من يفتح كاميرا تصوير جواله ويدلي بدلوه في صغائر الأمور وكبائرها.. في تويتر يمكنك عبر ما يسمى بالتغريد قول ما يجول في خاطرك بعد التوكل على الله.. عبر الشاشة الصغيرة وعبر الإنستجرام بوسعك نشر صورة والتوقيع تحتها بشيء يدغدغ مشاعرك.. كانت الصحافة في سنوات مضت تنزل للشارع وتسأل الناس عن آرائهم ووجهات نظرهم حول كل ما يدور في هذا الكون المترامي لكنها الآن آمنت كل الإيمان أن هذا الفن الصحفي خرج من الخدمة ولم يعد لائقاً ومناسباً بين جنبات الزمن المنطلق وراء التجديد.. يمكن إعادة الاستطلاعات الصحفية بطريقة مستحدثة قد تتوافق مع العصر، خاصة إذا آمنا بأن الأسئلة يجب أن تتفوق على الإجابات، ففي هذه الحالة ربما يعود الاستطلاع للحياة ويدخل مجدداً التنافس الناعم مع التقرير والتحقيق والخبر والمقال.. الأسئلة الرصينة والذكية تشبه تماماً الصيادين المهرة الذين لا يعودون من الغابات سوى بالفرائس الدسمة..
إذا كانت أسئلة أي استطلاع اعتيادية وكلاسيكية وتقليدية فإن الاستطلاع في هذه الحالة فعلاً فن صحفي يستحق أن يوارى الثرى غير مأسوف عليه، أما إذا كانت الأسئلة يمكن وصفها بالمحترمة والقوية والخطيرة فالأمر كما قلت مختلف تماماً ومن خلالها فقط ستعود الاستطلاعات الجماهيرية والشعبية إلى الحضور الطاغي..
الأسئلة الصحفية التي انتقلت للتقارير التلفزيونية انتهجت بوضوح في الآونة الأخيرة الأساليب الكوميدية الساخرة بغية الحصول على تعداد أكبر من نسبة المشاهدين.. هذا أمر آخر تماماً وأنا بالطبع لا أعني هذا وإنما أعني الأسئلة الصحفية التي تتناول أي قضية بعقلانية بحثاً عن رؤى عامة تكون مجرد رصد ونواة يمكن على قاعدتها بناء تصور واضح ومحدد عمّا يفكر فيه الناس..
الأسئلة الجيدة ستعيد الاستطلاع باسقاً شامخاً بين جنبات الصحافة..
الأسئلة الروتينية إذا لم يكن لها بديل فمن الأولى والأفضل والأجدر أن يبقى الاستطلاع في عداد المفقودين حتى حين..!.