أجيرة!
- لا ترفض قصيدة بشروط تسبق قراءتك لها، هذا إنْ أردتَ أن تكون صاحب حِسّ نقدي سليم على الأقل!.
- أمّا أن تفعل ذلك، وتريد أن تكون ناقدًا، وتطلب أن يُعتَرَف لك بالتقدير الطّيّب في ذلك، فإنك لن تجد ذلك عند أي شخص لديه فهم ومعرفة ونزاهة!.
- ما ينطبق على الشعر، ينطبق على كل أدب وفن. اخترت القصيدة، فقط، لسهولة ضرب المثل وتخيّل الأمر!.
- ليس من الحِسّ النقدي في شيء، أن يقول لك أحدهم: لا يمكن لي سماع قصيدة شعبيّة تبدأ بـ”يا مِلّ قلبٍ”، أو “يا راكبٍ من عندنا فوق...”!. أو لا يمكن لي تقبّل قصيدة فصحى تضمّ “لا أبا.. لك”!، أو “ليت شعري..”!، أو تبدأ بحسرة على الأطلال!.
- القرارات المُسبقة غباء، أو جهل، أو حمق، أو غطرسة فارغة، أو هي كل ذلك مجتمعًا!. وهي في النهاية لا تُقدّم إلا أحكامًا ظالمة مجحفة!.
- لقد وجدتُ من الناس، من يرفض الشعر الشعبي “العامّي” أصلًا، ويحكم على القصيدة الشعبيّة بعدم قدرتها على الارتقاء فنيًّا لمستوى القصيدة الفصحى، لمجرّد أنّ هذه مكتوبة باللهجة العاميّة وتلك باللغة الفصحى!.
- سيّد البيد محمد الثّبيتي، كان يسخر من مثل هذه الأحكام، مرّةً همس لي، وكل حديث الثبيتي همس دافئ، قائلًا: “عندي كشكولين من الكشاكيل الكبيرة! كلّها محاولات كتابة شعر عامّي، ما كنتُ سأتردّد في نشرها، لولا أنني لم أشعر بقدرتي على تقديم جديد في هذا المجال، لو كان فيها ما يستحق النشر لنشرته”!.
- كما وجدت من الناس، من يرفض قصيدة الشعر الحرّ “فصحى أو عاميّة”، متّهمًا ومتندّرًا، على أي نص من هذا النوع قبل اطّلاعه عليه أو سماعه له!.
- حتى شعر “النثر” على قلّة نماذجه العربية المؤكّدة لأحقيّته بهذا الاسم، لا يجوز إغلاق الباب في وجهه، وصدّ الجديد منه ورفضه قبل قراءته، ذلك أنّ العمل الفنّي يحمل توازناته معه!.
- نزاهة التّأمّل الفنّي تتطلّب انحناءً شبيهًا بانحناء الغصون المُثقلة بالثمر!.
- ومتعة القراءة مشروطة، فيما أظن، بقبول كل ما لدينا من نظريّات أدبيّة وفنيّة كشَغِّيلة أجيرة عند النص أو العمل الفنّي!.
- ومن العدل والرُّقي للحِسّ النقدي الأدبي والفنّي أن يعرض الناقد نظريّاته ومفاتيح فهمه وقناعاته على العمل الأدبي والفنّي لا أن يجعل من نظريّاته ومفاهيمه حواجز تفتيش، ومن شروطة شُرطة، تُوقف الانسياب وحركة مرور العمل من وفي وإلى ومع عناصره الداخلية، أو مع الوجدان، لتطلب من العمل بعد كل خطوتين إثبات هويّة وترخيص، قبل أن تسمح له بمتابعة السّيْر!.
- النّظريّات مفاتيح، كل نظريّة مفتاح. وكل عمل إبداعي بيت، ولكل بيت باب، بل أبواب، وكل هذه الأبواب جديدة، قد يصلح أحد المفاتيح القديمة لفتح باب أو أكثر من هذه الأبواب، وقد لا يصلح!. في الغالب، أنت بحاجة لسلسلة مفاتيح كبيرة، مثل تلك التي نشاهدها عند لصوص الرسوم المتحرّكة أو بعض الأفلام الفكاهيّة!.
- سلسلة مفاتيح لعلّ واحدًا منها يفتح الباب الرئيسي على الأقل!. فإن لم يفتح، فربّما كان على الناقد بَرْي الحديد وسَنِّه وصقله من جديد!. على الناقد أن يدخل، لا أن يتّهم الأبواب بالخراب وعدم صلاحيتها للفتح بعد أول محاولتين فاشلتين له!.
- النظريّة أداة، والأداة قد تصلح دليلًا وقد لا تصلح!. قد تساعد في فهم وحلّ إشكالية ما وقد لا تُساعد!. النّظريّة خادمة لا مخدومة!.