القرآن الكريم والفن والأدب!
- إن أردتَ الآداب والفنون طريقًا: استمع إلى القرآن الكريم، واقرأه، ورتّله ترتيلًا. وعلى ذلك داوِم. وإن قدرت فاحفظ. هذه نصيحتي لكل عربيّ، حتى وإن لم يكن مُسلمًا!.
- في القرآن الكريم زادٌ لكل لكل أديب وفنّان عربيّ. شاعرًا كان أم مسرحيًّا أم قاصًّا وروائيًّا!. البحور والتفعيلات كلّها فيه، والحوار والقصّة، وأسرار، بدائعها وعجائبها، لا تُحصى. وفيه أكثر. فيه ما يُلهم الرّسّام ويُثري الموسيقيّ!.
- تدبّر، وجرِّب، مثلًا، أن تجمع حوارات وأقوال سليمان ويوسف عليهما السّلام وملكة سبأ وحاشيتها وفرعون مصر وحاشيته. تأمّل وقارن، ستتكشّف لك خفايا لغة الحكّام وخبايا نهجهم، بكل صفة، خيرًا أم شرًّا، وتحت كل ظرف، اطمئنانهم أو هيجانهم، أمانهم ومحاذرتهم!.
- لم يكن فرعون غليظًا على طول الخطّ!. شدّته كانت تتعاظم حين يخاطب فردًا أو مجموعة قليلة محدّدة من الأفراد:
“قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ”.
لكنه حين يخاطب الجموع، يبدو كما لو كان ناصحًا أمينًا!. ويتحدّث كأنه واحدٌ منهم!، لِين الديكتاتور المخادع على مرّ الأزمان:
“فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ”!.
- وفي قصّة سليمان عليه السلام، خذ هذه اللفتة العظيمة:
“وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ”.
لاحظ كيف يضع الحاكم العادل احتمال الخطأ عليه والتقصير منه أولًا: “مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ”؟!.
بعد ذلك يروح لاحتمال أن يكون التقصير من الآخر:
“أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ”؟!.
لاحظ أيضًا، أين اتخذ الهدهد مكانه بعد أن أتى:
“فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ”!.
غير بعيدٍ هذه تقول فيما تقول إنّ الهدهد لم يقترب كثيرًا!. مهما كانت ثقتك بعدل الحكّام ونزاهة الملوك ورحمة السّلاطين، احذر فورة غضبهم!. قد لا يغضبون كثيرًا لكنهم قد يغضبون سريعًا!، فلا يتاح لك من الوقت، بحكم المسافة، ما يسمح بعذر أو تبرير!. خذ من ذكاء الطير وتعلّم:
“فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ”!.
الآن فقط يمكنه الاقتراب!.
- هذه مجرّد أمثلة، وما أكثرها، تفيد من يريد تعلّم فن الحوار ونفسيّة المُحاوِر، ولو أكملنا لاحتجنا إلى مؤلفات وسنعجز أيضًا عن الإحاطة. لكن في القرآن الكريم أسرار وعجائب أُخرى لا تنقضي. فيه كل ما يمكن للغة العربيّة من دفق موسيقي خارجي وداخلي!.
- وفيه أحد أهم عناصر القصّة والشعر والمقالة: الانتقال من مشهد إلى مشهد بالقطع المناسب المنساب!. الشعر يستخدم ذلك في القافية، حيث يمكن لما بعدها أن يرتبط بها دون وصل مباشر!. وفي الرواية الجملة والترقيم والفصل والباب!. وأمّا في المقالة فليس أفضل من التدقيق في كتابة أستاذنا سمير عطاالله!.
- يحفظ سمير عطاالله، وهو العربيّ غير المسلم، كثيرًا من القرآن الكريم، حتى يكاد مُجالِسه أن يظنّ بحفظه للقرآن كلّه!.
- وأشهد أن للأستاذ سمير عطاالله من الخلق الكريم والنبل وحلاوة البيان مع عفّة اللسان، والسّماحة، ما يتوافق مع آيات القرآن ونهج الإسلام. ولكني أتحدّث عن أسلوبه في الكتابة: تقرأ له فتلحظ، أول ما تلحظ، قدرته على القطع!. لا ينتقل وإنما يتنقّل!، من خبرٍ إلى خبرٍ، ومن معلومةٍ إلى معلومةٍ، ومن فكرةٍ إلى فكرة!. وإنّي على يقينٍ من أثر القرآن الكريم فيه وتأثيره عليه، حيث النّقر، كما لو كان طائرًا يلقط الحَبّ!.