2021-02-26 | 02:00 مقالات

وجوه مستعارة

مشاركة الخبر      

لم تنتهِ ولن تنتهي ظاهرة ما يسمى بالأسماء المستعارة.. موجودة في الفن والشعر والرواية، لكنها عاشت وترعرعت وتمددت في الصحافة.. كثيرون كانوا يكتبون آراءً يمكن وصفها بالصادمة والجريئة، لكنهم يشيحون عنها وجههم الحقيقي، وبذلك لهم حساباتهم ونظرتهم الخاصة..
ليس سرًّا في الصحافة القول إن هناك رؤساء تحرير كتبوا تحت أسماء مستعارة، بعضها اشتهر في حقبة وصول الصحافة إلى عز أيامها في المتابعة والترقب، وبعض الأسماء لم يهتم بها أحد ومرت.. مرت ولا حتى تلتفت كما كان يغني الراحل طلال مداح أسكنه الله فسيح جناته.. في الفن مثلاً هناك اعتقاد خاطئ في التعاطي مع الأسماء المستعارة.. عشرات الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات المشهورين لا يعرف الناس أسماءهم الحقيقية، ويعتقدون أنهم فعلوا ذلك خوفًا واستعابة من المحاذير الاجتماعية، متناسين أنهم يظهرون طوال حياتهم بوجوههم، فلماذا يخفون أسماءهم..
اللجوء إلى اسم مستعار في الأجواء الفنية لا يتجاوز البحث عن اسم موسيقي، يسكن بسهولة في خيال المشاهدين لا أكثر ولا أقل.. عشرات الموهوبين غناءً وتمثيلاً كانوا يتمنون البروز بأسمائهم الحقيقية، لولا أنها لم تكن لتساعدهم في تحقيق تطلعاتهم والوصول سريعًا إلى أذهان العالم.. نعود للصحافة.. كان رؤساء التحرير أحيانًا يهدفون من الاختفاء وراء أحجبة الاسم المستعار إلى توصيل رسالتهم أو كلمتهم دون أن تتدخل أسماؤهم، الأمر الذي قد تتنحى فيه الغاية عن أي كلام مكتوب.. في عوالم السوشال ميديا الأوضاع مرتبكة ومختلفة.. هناك بحار متلاطمة من المستعارين والمقنعين والملثمين.. ذاك أمر الخوض فيه يحتاج إلى كلام كثير وطويل ومرهق.. في السنوات الأخيرة توارت الأسماء المستعارة في الصحافة كثيرًا.. لم يعد لها حاجة وحتى الأسباب التي كانت تسند بقاءها تلاشت هي أيضًا.. بالطبع أساساً كان وجودها يخالف المنطق العقلاني، لكنها على أية حال مرحلة من المظلومية، محاكمة تجاوزاتها بعد فوات الأوان.. ربما يقال إنما كان يفعله رؤساء التحرير أو يوافقون عليه تلك الأيام في حكاية الأسماء المستعارة، لا يختلف كثيرًا عن نهج أصحاب السوشال ميديا الآن مع فارق المسؤولية..
الأسماء المستعارة وكما قلت حاضرة منذ زمن بعيد وضاربة في أوساط الشعراء وأهل الفن، والصحافة أخذت كذلك نصيبها وافيًا من هذه الأجواء المخفية.. كانت تفعل هذا بحثًا وراء مآلات يبدو أنها لا تختلف كثيرًا عن الحاصل في خبايا وسائل التواصل الجديدة.. ربما تغيرت الأسماء وتغيرت الوجوه المتسترة بحجابات مكشوفة، وربما يكون الفرق فقط بين أوراق الصحافة الصامدة حتى حين وبين شاشات تتسيد اهتمامات الدنيا بأسرها..
السؤال: لماذا كانوا يكتبون بأسماء مستعارة..؟ الإجابة لأنهم يعرفون تمامًا أن هناك من سيأتي بعد زمن ويترك مهنتهم بلا عضيد، ويأخذ أسوأ ما فيها ثم يسخر منها.. حتى الخائبون لهم ورثاء..