2021-03-05 | 01:09 مقالات

ثقافة وصحافة

مشاركة الخبر      

في أحد مشاهد فيلم المتسول، الذي أراه الأفضل بين كل أعمال زعيم الضحك العربي عادل إمام، يلتقي الشحات حسنين، وهذه شخصية البطل في ذلك العمل الأسطوري الخالد، بالفنانة إسعاد يونس داخل مطعم فاخر.. أراد حسنين معاكسة إسعاد التي كانت منهمكة في قراءة إحدى المجلات، وقال لها بصوت مسموع: “يا سلام.. قال يعني الثقافة مقطعة بعضها أوي”..
والمعنى المستفاد أو المعنى الذي نبحث فيه عن فائدة أو مدخل واسع لفكرة مخنوقة، هو الربط الشعبوي المستمر بين قراءة الصحافة وأهل الثقافة.. أقصد هل قراءة ومتابعة الصحف كانت فعلًا وجهًا باسمًا للمثقفين؟.. هل كل قراء الصحف لديهم ما يكفيهم أو يفيض من الوعي والثقافة، أم أن الصحافة حُمّلت في هذه الزاوية ما لا تحتمل؟.. أولًا وقبل كل شيء، يجب الوصول إلى حقيقة يستوجب علينا الاعتراف بها وتقديرها، وتتمثل في الدور الجبار الذي لعبه جيل الرواد من المثقفين في الخطوات الأولى لتأسيس الصحافة، سواء في السعودية أو الخليج أو العالم العربي ككل.. كل الصحف نشأت وانطلقت على أكف أهل الأدب والثقافة والشعر.. هذا واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله أو تسطيحه، فتجاوزوا عثرات البدايات الصعبة قبل صناعة وجوه جديدة تصدت للمهمة في مرحلتها التالية، التي اعتمدت على الحرفية والمهنية والإثارة الواقعية، ورسم نهج حقيقي لماهية العمل الصحفي الفارق عن الأدب وأدواته بأشياء كثيرة.. أعود إلى نقطة البداية وكلام عادل إمام عن قراءة الصحف، وعن السؤال الذي أحوم حول حماه.. والرامي إلى العلاقة المتأصلة بين الثقافة والصحافة.. كانت الصحافة مقتصرة بكافة أدوارها البدائية على أهل الثقافة، قبل أن تدور الأيام دورتها المتعجلة وتجتذب كافة المهتمين من قرائها.. تغلغلت الصحافة في حياة الناس واهتماماتهم الصغيرة والكبيرة، فكانت القبلة المعرفية لكل المجتمع وكل الناس.. وطبعًا هذا قبل أن تظهر أدوات السوشال وتلتهم الأخضر واليابس من تشوق العالم.. هناك نوع خاص من البشر تستهدفه الصحافة.. أولئك الذين يتابعون الصحف كجزء من الترفيه.. ما يحدث الآن في الارتباط الإدماني الصاخب وراء منصات ما يسمى بالتواصل الاجتماعي يعطي فكرة صغيرة جدًا لمن كانت علاقته تتوثق بالصحافة من الناحية الترفيهية.. قدمت الصحافة المعلومة وقدمت الخبر وقدمت الحوار والتقرير والاستطلاع، وهذه لها أنماطها المختلفة.. وقدمت أيضًا الترفيه بما يتوافق مع تلك المراحل القريبة.. وما يقال قبل يفترض ويستحسن أن يقال بعد.. ما قبل السوشال وما بعدها.. إذا كنا نقول إن قراء الصحف قبل السوشال فيهم شيء من المثقفين، فإن من يطالع الصحف ويفتش عنها بعد السوشال أحق بإلصاق صفة الثقافة على طبائعه ومكتسباته.. ربما كان من يطالع الصحيفة أو المجلة في زمن ولّى ولن يعود مثقفًا أو قارئًا عابرًا أو حتى مسليًا عينيه بالصور، كما كانت تفعل إسعاد يونس في فيلم المتسول.. أما الآن فمؤكد أن من يطالع الصحيفة يتحصن بالثقافة التي أراد عادل إمام من خلالها معاكسة فتاة المطعم..!!