فيلم الموريتاني.. قصة جوانتانامو بغياب العدالة وانتصارها
ما هي العدالة؟ سؤال بعدة أوجه وبأجوبة مختلفة ما بين شخص وآخر، كلا الاثنين تكون إجاباتهم مبنية نسبة للجانب المنتمين إليه أو الخلفية الثقافية التي نشأوا عليها.
لكن هل من العدالة أن تنصف شخصًا بعد ظلمه؟ أو هي عدالة حينما نقدم على فعل نجد أن غايته بررت وسيلته؟
العدالة والتساؤل حولها موضوع فلسفي يطول ولا يتسع لحديث اليوم، أما الفيلم فما هو إلا قطعة فنية تطرح التساؤل عن مفهوم العدالة في قصة فيلم تم بناؤه على قصة حقيقة، ليطرح هو الآخر وجهًا جديدًا من تساؤلات العدالة.
الموريتاني هو فيلم إثارة ودراما بريطاني وأمريكي، هذا الفيلم يسلط الضوء على إحدى القصص المأساوية التي حصلت بالواقع لشخص يدعى بـ “محمدو ولد صلاحي” أحد معتقلي سجن جوانتانامو، وكيف قضى سنوات في السجن دون توجيه تهمة واضحة له أو حتى محاكمته.
حرية صناعة السينما وسقف التعبير العالي سمح للمخرج “كيفن ماكدونالد” أن يجسد هذه القصة المأساوية والتي تفسد أيقونة الولايات المتحدة حينما تقول إنها ديار الحرية والعدالة. كما أن الممثل طاهر رحيم أعطى أحدًا أجمل أدواره التمثيلية في الأعوام الماضية بتجسيد دور شخصية محمدو بأبهى حلة وبالذات في مشهد الخطاب الأخير. يظهر رحيم في هذا الفيلم كيف تم تعذيب محمدو والتعامل معه بقسوة شديدة تجعلك كمشاهد تتألم فيما يحدث كقصة حقيقة وتستمتع فيما يجسد من إبداع طاهر تمثيليًّا في الوقت نفسه.
كيف لهذا الرجل أن يشتبه فيه ويحبس لسنوات طويلة ويحرم من حقه في أن يمثل نفسه أو أن يعين محاميًا للدفاع عنه، وكيف لم يتم الإعلان عن الحكم ضده سواء بالبراءة أو الإدانة، ورغم ذلك تمر السنين ولا يزال حبيس القضبان.. كيف يمكن للمرء أن يعيش على هذا الحال؟
النجومية كذلك لم تقتصر على طاهر فقط في الأداء التمثيلي، بل كان للممثلة المبدعة جودي فوستر والتي تجسد دور المحامية “نانسي هولاندر” هي الأخرى دور عظيم من حيث تجسيد قصة المحامية التي يتم تخوينها من المواطنين الأمريكان، وفي نفس الوقت تسعى لأن تطبق مقولة “المتهم بريء حتى تتم إدانته”. هل ستتخلى عن هذا الشعار بسبب التخوين أم أنها ستضحي بسمعتها وكل ما تعمل لأجله من أجل العدالة. فوستر تقدم دورًا جديدًا إضافيًا تذكر فيه محبي أفلامها في التسعينيات أنها لا تزال موجودة، وقادرة، بل ولم تفقد لمستها الفنية بعد.
جميلة هي تلك الأفلام التي تبنى من قصص واقعية، خصوصًا حينما تكون بهذا المستوى من الإتقان، فهي لا تمرر فقط قصصًا حقيقة بل ترويها بطريقة فنية تجعلك راضيًا فنيًا ومثقفًا تاريخيًا. والموريتاني أعطاني ما أريد بأجمل وأقسى طريقة.