رشاش بين عبرة الصفاة والشاشات
قبل البدء في تناول قضية “رشاش” تلفزيونيًا أو إعلاميًا أو مجلسيّا أو سوشليّا، فإن الأمر لا يتعدى كونه جرمًا ارتكبه شخص ولاقى حسابه من الجهات المختصة، ولا علاقة لأهله أو أقاربه مهما دنوا أو بعدوا بما أذنب حينها.
شاهدت الحلقة الأولى من مسلسل رشاش الذي تصدت له mbc، إنتاج ضخم.. إخراج عالمي.. أداء رائع، باختصار العمل “متعوب عليه”، واصبح أخيرًا لدينا مسلسلات قصيرة “حقيقية” لكنها طويلة في التأثير.. فالشكر لكل من أسهم في تقديم عمل يؤرخ بفخر في تاريخ الدراما السعودية.
قبل البدء في كتابة المقال، تحدثت عن الفكرة لزميلين، انفجر أحدهما غضبًا من تناول شخصية “رشاش” عبر المسلسل وإعادة إحياء ذكراه، مبينا ان ذلك قد يوقع حساسية تجاه أهله وأقاربه، وأنه لا يستحق أن يظهر بصورة البطل، ولكن الثاني كان مؤيدًا بشدة للفكرة، مبعدًا روابط التأثير التي تحدّث عنها الأول، مشيرا إلى أن التاريخ الدرامي يحمل في جعبته قضايا عدة لمجرمين عرب عالميين وخرج وجاءت للفائدة وأخذ العبرة.
لدى الكثير منا كـ”سعوديين” حساسية تجاه عرض الوقائع الحقيقية عبر الدراما، وكأننا نعيش في معزل ونريد أن نخفي أحداثًا وقعت ولا نقبل طرقها، ولكن في زمن وسائل التواصل الاجتماعي أخفت عبارة “البيوت أسرار”..
الأمريكان أنبروا لمسلسل “ناركوس” الذي يتحدث عن زعماء تجارة المخدرات في كولومبيا بقيادة باولو أسكوبار، وعادوا ليكرروا التجربة في مسلسل القصير المكير “ايل تشابو” وبالتأكيد كان عرض القصة من زاويتهم التي تخدم مصالحهم الخاصة.. وأعمال عدة عسارت على هذا النمط..
من وجهة نظري، أرى بأن إعادة إحياء ذكرى رشاش كانت صائبة، خصوصًا بأن القضية أُخذت من الملفات الأمنية السعودية وتحت إشراف محلي، وروعي فيها تحري الدقة والمصداقية، ليكون العمل عبرة لكل من تسوّل له نفسه الخروج على الأنظمة وارتكاب الجرائم..
كنت طفلًا في منتصف الثمانينات الميلادية وكان أكثر ما يخيفنا هو فيلم الراحل مايكل جاكسون الذي يخرج من “القبور” والسفر برا، فلقد عشنا في رعب بسبب القصص التي نسمعها عن قاطع الطريق رشاش ومن كان معه، وبعد القبض عليه وصلبه في ساحة الصفاة، حرص الكثير من الآباء على اصطحاب أبنائهم لأخذ العبرة، وكانت بالفعل خير موعظة.الجيل الحالي يستحق أن تروى له القصة الحقيقية لرشاش من خلال عمل متقن وتحت إشراف جهات نثق بها، ويكون عبرةً لهم.
ختامًا، أعيد المقال بما بدأته، الذنب الذي ارتكبه رشاش يتحمله وحده، يقول سبحانه: “ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخرى”.