فتاة الموهبة المفقودة..
فيلم «كودا»
لطالما كانت السينما وسيلةً للإضافة الثقافية للإنسان متى ما أراد أن يحصل عليها.
من أبرز أسباب حبي للسينما خروجُ الإنسان من الواقع، وعيشه قصص الآخرين، فإن كانت سعيدة، فستبث وهج البهجة في داخلنا بالتأكيد، وإن كانت حزينة، فستعطينا في نهايتها لذة الاستشعار بالنعم التي تحيط بنا.
قلت ذلك سابقًا في فيلم “صوت المعدن”، الذي كان بالمصادفة أولى مقالاتي في صحيفة الرياضية المحترمة، وما أجمل المصادفة بأن أعود للحديث عن فيلم آخر بالفكرة نفسها، لكن بمسارات مختلفة.
“كودا” وبالإنجليزية “CODA”، اسم الفيلم الذي أتى من المصطلح الذي ينصُّ على الأطفال المولودين من الآباء الصم “child of deaf adult”.
هذا العمل ذاع صيته بشكل كبير في الفترة الماضية، وكان في البداية بمنزلة الاكتشاف لكثير من المراجعين السينمائيين حول العالم.
نافس هذا الفيلم في مهرجان “صندانس” السينمائي في العام الجاري، واشترت حقوقه بعد ذلك منصة “أبل تي في بلص” بمبلغ 25 مليون دولار، المبلغ الذي يعدُّ بسيطًا بالمقارنة مع نجاحه المذهل.
الفيلم يأتي من إخراج وتأليف المخرجة سيان هيدر، التي قررت أن تستعين بممثلين صمٍّ وبكم من أجل أن يكون الأمر في غاية الإتقان.
هذا الأمر يذكِّرني بفيلم “ذيب” حينما استعان المخرج الأردني البريطاني ناجي أبو نوار بالبدو، وعلَّمهم التمثيل بدلًا من جلب ممثلين وتعليمهم عن البادية.
أما عن القصة، فالفيلم يتحدث عن فتاة في الـ 17 من عمرها “روبي”. هذه الفتاة الشخصُ الوحيد الذي يسمع في عائلتها من الصم، المكوَّنة من أبيها وأمها وأخيها الكبير.
بالتالي، هي الصغيرة، وفي الوقت نفسه هي التي تعتمد عليها العائلة في التواصل مع المجتمع من حولهم، وكذلك يعتمد عليها المجتمع المحيط بها من أجل التواصل مع عائلتها والتفاهم معهم.
القصة تبدأ بالتطور تدريجيًّا بعد أن تكتشف الفتاة موهبتها الواعدة في الغناء، فتبدأ بأخذ دروس غنائية من أجل تطوير مستقبلها في هذا المجال.
ولعل من أبرز إيجابيات هذا العمل فكرته الأساسية الرائعة جدًّا، التي تظهر في مزيج ما بين دراما الفكرة نفسها وإبداعية التطبيق. ما بين مصاعب فتاة لا تستطيع العيش بوصفها مراهقة طبيعية وسط تنمُّر الطلاب من حولها على عائلتها الصمَّاء، وعدم تفهُّم العائلة لفكرة الغناء، وهو الأمر الوحيد الذي يفتقدونه.
في تحدي الفكرة، كانت روبي فتاة الموهبة المفقودة من عائلتها.