متلازمة
«الليلة الأخيرة»
أمام مركز صحي في حي الأحمدية غرب الرياض يصطف طابور بشري مكوّن من مختلف الأجناس والأطياف، وحتى لو لم يطلب منك معرفة اتجاه فتحة حرف C سابقًا في عيادة العيون فلن يستطيع نظرك أن يشاهد آخر من يقف في الصف.
لا تستغرق وقتًا طويلًا لمعرفة سبب الازدحام الشديد الذي استمر لساعات متأخرة من الليل إذا عرفت أن الليلة هي الأخيرة في الإجازة الصيفية، وغدًا أول أيام الدوام المدرسي ولا بد من الحصول على الجرعة الثانية من لقاح كورونا، وهو شرط الحضور للمدارس.
فلم تخبر وزارة التعليم قبلها بيوم عن طلبها، بل منحت أولياء الأمور أكثر من شهر، ولكن للأسف هي متلازمة الليلة الأخيرة التي تصبغ حياة الغالبية منّا، ورغم تطور كل شيء من حولنا إلا أنها لا تزال صامدة.
يغيب عن الكثير التخطيط الصحيح وتجنب تلك المتلازمة، فعندما يحلّ رمضان تشهد ليلته ازدحامًا شديدًا في محلات المواد الغذائية، وليلة العيد لا تخلو من توتر العلاقات بين العوائل بسبب أخطاء حدثت في شراء الملابس وتغيير المقاسات وإعادتها قبل صلاة العيد، وتتكرر تلك المتلازمة مع كل مناسبة لها علاقة بالتقويم.
تلك المتلازمة دفعت الكثير من التجار إلى رفع الأسعار، مستغلين الإقبال الكبير، كما تسببت في الاختناقات المرورية وما ترتب عليها من حوادث وإضاعة لأوقات ثمينة لدى من يسير وفق خطط ومنهجية، كما خلّفت أخطاء عدة تتكرر في كل عام.
صمود متلازمة الليلة الأخيرة أمر يحيّر، رغم أن الأيام معروفة ومحددة مسبقًا، فلم يصحَ البعض من النوم متفاجئًا بأن يوم غدٍ هو اليوم الأول في المدارس، أو موعد ذبح الأضاحي، وهؤلاء هم من يخطط جيدًا عندما يريد السفر إلى أوروبا، فيحصل على التأشيرة في وقت مناسب، ويشتري التذاكر منذ زمن مبكر للحصول على أفضل سعر، ويمنح نفسه مساحة جيدة، ولكنه للأسف هو نفسه من يصطف في طابور لقاح كورونا لأبنائه، ويقف متذمرًا في السوبر ماركت قبل ليلة دخول الشهر الفضيل.
غياب التخطيط الصحيح كان سمة الكثير من الأجيال السابقة، وقد يكون عدم وجود دورات متخصصة في إدارة الوقت ووضع الروزنامة الشهرية سببًا في ذلك، ولكن أن يستمر الأمر إلى يومنا الراهن غير مقبول، وسط ما نشاهد من اغتنام الساعات والأيام المهدرة، فيما يعود بالمنفعة بدلًا من العيش وسط الزحام وما يواكبه من “سب وشتم” وتغير في ألوان الوجه تعبيرًا عن الغضب من الواقع الذي ـ وللأسف ـ هم من وضعوا أنفسهم فيه.
لذا.. علينا أن نقضي على متلازمة الليلة الأخيرة بالتخطيط السليم لقضاء الاحتياجات وترتيب الأولويات في فسحة الوقت، وبعدها سنقضي على مظاهر الازدحام وتبعاته.