الكتابة
أهم شيء
طبيعة عملي وخصوصية وظيفتي وأيضًا دراستي ومهنتي وهوايتي جعلتني أتحدث كثيرًا وطويلًا مع المتخرجين من قسم الصحافة أو الإعلام.. وأحيانًا كثيرة أقابل من يرغب منهم بالانضمام إلى هذه الصنعة.. لدي سؤال جاهز في اللقاء الأول.. هل لديك تجربة كتابية.. هل سبق لك كتابة مقال.. كتابة قصة قصيرة.. كتابة تقرير.. أو حتى كتابة خواطر عابرة.. تصدمني إجابات النفي..
أستعيد ما أؤمن به في أقاصي أذهاني.. الصحافة كتابة.. ثم تأتي التفاصيل الأخرى.. إذا لم يكن لديك الحد الأدنى من القدرة على الكتابة فأنت في هذه الحالة تتواجد في المكان الخطأ.. هذه مهمة تحتاج قبل كل شيء أن تكون كاتبًا.. ليس مهمًا أن تصل إلى منطقة مأهولة بالإبداع والإتقان، لكن أن تأتي إلى الصحافة متجردًا من أهم أسلحتها وأهم أدواتها وأهم أركانها فأنت في هذه الحالة كالذي يذهب إلى المطار ليغادر بلا تذكرة ولا أمتعة ولا حتى نوايا واضحة باتجاه الرحلة والسفر..
إذا كنت تملك كما قلت لك هذا الحد الأدنى فأهلًا وسهلاً بك وسط أجواء المهنة، التي قد تتكفل هي بدعمك، وتتكفل بمساندتك، وتتكفل بمساعدتك، طالما تمني نفسك أن تكون أحد أبنائها وفلذات كبدها..
الصحافة مهنة لها خصوصيتها، ولها نهجها، ولها طبيعتها، ولها اشتراطاتها أيضًا، لكن أن تستسهلها، وتعتقد أنها مهنة يمكن التعاطي معها والانضمام إليها وممارستها لمجرد الرغبة، وتسطيح المهام الموكلة إلى العاملين فيها.. بهذه الرؤية وهذا الانطباع أنت لا تصلح أن تكون صحافيًا فقط.. بل تحتاج إلى إعادة صياغة حتى تتعرف على الأشياء من واقع حقائقها.. تحتاج أولًا أن تعرف نفسك حتى يكون لديك قدرة تمييز اتجاهات الطرق وتفرعاتها.. أهم هدف يسجله الإنسان في حياته معرفة نفسه قبل معرفة أي شيء آخر.. حينما تعرف نفسك ستريح وترتاح.. وقبل أن أتجاوز هذا المنعطف يحق لي القول، وبمخارج حروف واضحة، إن من بين أدوار ومهمات العاملين في الصحافة امتلاك القدرة على الكتابة، وهذا أظنني أسهبت في الكلام عنه.. وأيضًا معرفة لماذا يتوجب على الصحافيين أن يكونوا كتابًا، ولماذا يتوجب عليهم رفض كل من لا يكتب الدخول في مهنتهم.
طبعًا ليس كل كاتب يمكنه العمل في الصحافة، لكن فقط يستوجب علينا توضيح الواضحات بالقول وبكل وضوح وصراحة وشفافية.. إذا كنت تعتقد أن الكتابة سهلة فهذه مصيبة تحتاج التخلص منها أولاً.. وإذا كنت تعتقد أن الصحافة سهلة فهذه أم المصائب.. أجارنا الله وإياك من كل مصيبة وكارثة..