ناقد لكنه حافظ «مش فاهم»
لو أمسك الحداد بعصا المخبز وأدخلها في الفرن، هل تقبل أن تأكل نصفه أو حتى ربعه؟!، ولو قيّل لك بأن رحلتك عبر “دريم لاينر” سيتولى مقود الطائرة سائق “باص خط البلدة” هل ستحمل حقيبتك أم تنفذ بجلدك؟؟..
هو التخصص أساس كل المهن، فمن أعظم النصائح والحكم المؤثرة أن تكون من أهل الاختصاص بعد أن يشربوا المهنة ويعرفوا حيثياتها وخفاياها وقبل ذلك يعيشونها ويتعايشون معها، فمن المستحيل أن تقبل نصيحة في فن كتابة “القصة الخبرية” من عالم كيمياء حتى لو كان أسلوبه مقنعًا كما فعل الكيميائي الكبير يحيى الفخراني في رائعة فيلم “الكيف”..
ابتلينا بأشخاص في مجتمعنا خلا قاموسهم من كلمة “لا أعرف”، فيفتون في أي شيء ولا تحتاج إلى دليل فقط في الاستراحة قل لأصدقائك بأن سنك يؤلمك ووقتها تنهال عليك النصائح والوصفات الطبية والشعبية وهم لم يمروا حتى من أمام كلية الطب لكنه العرف المتعارف عليه وهو أن نعرف كل شيء.. ونفتي أيضًا فيه..
كرة القدم ليست بعيدة عن المجتمع فأنسجتها متغلغلة فيه، وكل منتمٍ لها يتقمص تارة شخصية الرئيس وأخرى المدرب وثالثة اللاعب و”عينك ما تشوف إلا النور” من الفتاوى الصادرة، لكن لا يلام الجمهور كون الآراء لا تتخطى المدرج أو المجلس أو “السوشال ميديا” لكن كيف هو الأمر لو ترقى أحدهم إلى درجة “ناقد رسمي” وظهر في برنامج وبدأ يتحدث عن الخطط وطريقة اللعب والضغط والمرتدات وما يحدث للاعبين فنيًّا.. هل ستتقبل منه؟ وماذا ترك لأهل اللعبة من اللاعبين؟..
ناقد في أحد البرامج الرياضية سمعته يقول إن النصر كان يعتمد على الدفاع وشخّص الحالة الفنية لفريق الاتحاد بأنه الأفضل هجومًا في مباراتهم الدورية الأخيرة وهو ما لم يحدث، وآخر حفظ خططًا من عالم “النت” فكانت سلاحه في آرائه الفنية في البرنامج وبدأ “يسمّع” على المذيع والمشاهدين!.. الكثير من الزملاء النقاد الصحافيين سلكوا طريق الأمور الفنية وضيّقوا على اللاعبين وهم المختصون في مهنتهم وبالطبع هم رافعين شعار “نعرف كل شيء”، أذكر في مرة في أحد البرامج تغيّب لظرف ناقد عربي لظروف خاصة وكان يفترض أن يتحدث عن مباراة في كرة التنس الأرضي، فقال الناقد السعودي غير المتخصص أنا أعرف تنس ودخل الاستديو وضم التنس إلى القدم.. وكنت شاهدًا على الموقف..
هنا المسؤولية تقع على صناع القرار في البرامج الرياضية، فيجب أن يوقفوا ضيوفهم “غير اللاعبين” من الحديث عن الأمور الفنية ويحترموا الاختصاص ليحترمهم المشاهد.. يعجبني كثيرًا البرنامج الجديد ملعب SBC الذي يقدمه خالد الشنيف، فضيوفه من اللاعبين السابقين تستفيد منهم فنيًّا.. وكذلك برامج رياضية أخرى تعتمد النهج ذاته.. أختم بقوله سبحانه: “قد عرف كل أناس مشربهم”.