حفلات
التعقيب
تواجه الصحف صداعًا لا ينقطع، اسمه “التعقيب”.. تجتهد الصحافة كثيرًا وراء التثبت من مصادرها، لأن مصداقيتها سلاحها القوي، الذي لا ترضى باهتزازه.. دع عنك تلك الصورة الذهنية المخادعة، التي يتعاطى معها كثير من الناس عن كلام الجرايد.. كلام الجرايد صحيح ومؤكد، وما يخرش الميا..
في الصحافة الرياضية تتمدد التعقيبات حتى تصبح أحيانًا كالوجبة اليومية.. للأمانة لا أفهم لماذا يقضي رؤساء الأندية ومسؤولوها وقتًا طويلاً في أجواء التعقيب والرد على الأخبار.. طالما الخبر غير صحيح، فلماذا لا تتركه وراء ظهرك، وتواصل عملك، والناس ستكتشف بعد وقت قصير أن هذا الخبر كاذب وملفق ولا يلامس الحقائق من قريب أو بعيد.. لما تشغل وقتك ونفسك وجهدك واهتماماتك بأشياء غير واقعية.. إذا كنت تقول مثلاً إن هذه الأخبار تسبب إرباكًا لعملك من أي نوع، فتأكد حينها أنك في الاتجاه الخطأ، لأن الذين يثقون بعملهم لا يمكن أن يزعزعهم خبر مشوه.. هذا الفرنسي مبابي أمامك ويصلح دليلًا يقطع الشك باليقين على حكايات التعقيب.. قرابة العامين وهذا اللاعب في مفاوضات مستمرة مع النادي الملكي الإسباني ريال مدريد.. ناديه الفرنسي باريس سان جيرمان لم تنشغل إدارته بالتعقيب والأخذ والرد على مآلات الصفقة، وأين هي الحقيقة، فاللاعب نفسه يتكلم والإدارة نفسها تتكلم دون الصراخ في حفلات التعقيب.. هذه ليست أسرارًا نووية.. لاعب سينتقل من فريق إلى آخر، فأين المشكلة؟ وأين الغرابة في كل هذه الحكاية؟
يقول الصحافي البريطاني اللامع كلود كوكبرن: “لا تصدق أي شيء حتى يتم إنكاره رسميًا”.. تذكرت كلامه هذا وأنا أسمع أصوات قادمة من أحد الأندية نفيًا واستبعادًا لحكاية مدرب فريقهم الكروي الأول وإقالته.. قرابة عشرة أيام متواصلة من حكايات النفي والتعقيب، وفي النهاية فعلًا رحل المدرب وجاء مدرب جديد.. وانتصرت الصحافة!
الصحافة لا تحاربك بالأخبار الكاذبة، فهذا أسلوب عفى عليه الزمن.. أساسًا لم يكن وسيلة إلا في زوايا ضيقة، لا يمكنها أن تكون نموذجًا يؤخذ به.. إذا أرادت الصحافة فعلًا محاربتك، فإنها تتجاهلك وترميك وسط زوايا الظلام.
التعقيب وأساليبه وطرائقه وأشكاله وألوانه ليس مشكلة أزلية في عوالم الصحف، لأنها اعتادت عليه، وعرفت وتيقنت أنه جزء من أجواء مفروضة عليها، لكن الذي يجب عليه إعادة حساباته وقراءة المشهد بصورة أفضل هم جوقة المعقبين من مسؤولي الأندية.. مرة أخرى إذا كان الخبر كاذبًا كما تقول، فترك الناس تكتشف بنفسها، وبعدها تعال وقل إنهم لا يقولون الحقيقة.. لماذا تستبق الأحداث وتدخل في غمار معركة خاسرة.. انتبه يا صاحبي لفريقك وناديك.. وقاتل لصناعة النجاح.. واترك التعقيبات، لأنها دليل المصداقية والحقيقة، كما يقول صاحبنا الصحافي الإنجليزي.