الصحافة ليست «مهنة ترفيه»
لم يطلق على الصحافة بأنها مهنة المتاعب إلا لأنها فعلًا كذلك، ويكفي أن هناك من فقد أغلى ما يملك روحه في سبيل تقديم مادة إعلامية تليق بمتلقيها، فكم من صحافي في الميدان بحث عن قصة لم تكتمل فكان هو الفصل الأخير، وجميل من بعض زملاء المهنة تذكرهم في اليوم العالمي للتلفزيون..
المتاعب في الصحافة مستمرة في كل حقولها وليست مقتصرة على ميادين المعارك، فمن رضي بأن ينتمي إليها فعليه أن يدرك بأنه في جلد حتى يغادرها أو تغادره..
المصاعب التي كانت تواجه رجال المهنة وسيداتها في زمن مضى تلاشت وسط الثورة الكبرى في التقنية الحديثة، فلن يضطر الصحافي إلى كتابة المادة بقلمه وإرسالها عبر الفاكس ويدخل في شد وجذب مع قادته وجدلية “وصل وإلا ما وصل؟!” أو أن يقف المصوّر أمام محل الأستديو ساعات لـ”تحميّض” الصور، أو معاناة الكاميرات ومعداتها التلفزيونية بـ”وزن عشرات الأثقال” ونمت عضلاتهم دون الحاجة إلى أندية خاصة..
تلك المصاعب تبددت، لكن من المستفيد من هذا التطور إن كان الصحافي نفسه لم يطوّر فكره ويتعاطى مع المهنة على أنها وظيفة أو وسيلة تقدمه إلى غايته البعيدة عن بلاط صاحبة الجلالة..
في موسم الرياض، آلاف الصحافيين انطلقوا من أجل تغطية الحدث الكبير الذي لا يحتاج فعلًا لمن يروج له بالصورة التقليدية، فالمركز الإعلامي للموسم كفى ووفى من خلال بث تغطيات موسعة، وقصص متقنة وجذابة، لكن للأسف إن الكثير من الصحافيين بجنسيهم وباختلاف وسائلهم يتعاملون مع تغطية الموسم وكأنهم من الزوار، خالعين عباءة العمل الرسمي، ويتهافتون للحصول على بطاقة إعلامي الموسم لكن يرونها بأنها تذاكر مجانية لدخول الفعاليات..
لمست ذلك من خلال متابعتي لما يطرح في الكثير من وسائل الإعلام، فلم أجد القصص الحقيقية عن الموسم المليء بها، ففي كل أركانه مواد خام تنتظر لمسة “ساحر” من أهل الصحافة يحولها إلى مادة إعلامية خصبة لكن للأسف يده مشغولة في تصوير ابتسامته في الفعالية وبثها عبر حساباته الخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي..
الصحافة رسالة سامية لوثها بعض الصحافيين الذين لم يقدروا هذه المهنة أو يعيشوا متاعبها ولست ضد أن يستمتع آل الإعلام بالترفيه ولكن أن يقابله عمل جيد ويحيوا حسهم الصحافي إن كان موجودًا أصلًا.. فالصحافي في الموسم لا يختلف عن أي شخص يعمل فيه، فلديه مهام وواجبات والتزامات يؤديها..
وكما أسلفت بطاقة الإعلامي لها قيمتها الأدبية فلم تمنح من هيئة الترفيه كتذاكر مجانية.. وإن لم يصحَ الحس الصحافي لديهم فعلى الأقل لا ينام معه الضمير.