كتابة سيئة
ليس هناك كتابة سيئة، وكتابة رديئة، وكتابة متواضعة.. هذه أمور خاضعة لكل ما يرتبط بالذائقة الإنسانية وأمزجة البشر.. الإيمان التام بمطلقية رؤية متبسطة كهذه يمكن من خلالها الإمساك بأطراف الحبال المتدلية باتجاه الطريق الصحيح.. لا أحمل بضاعة مزجاة من النصائح المعلبة.. ليس هذا من اختصاصاتي.. ربما فقط أستطيع بما ترك لي الزمن إعطاء إرشادات صغيرة تؤدي إلى الدروب الفسيحة..
لدي قناعة مترسخة، لا تتزحزح قيد أنملة، أن الكتابة هي الرهان اليتيم وسط عوالم الصحافة والخائضين في مناكبها.. إذا كنت صحفيًا هاويًا أو متعاونًا أو محترفًا، وتضع الكتابة في آخر قائمة الاهتمامات والأهميات، فلديك خلل واضح، عليك المسارعة بعلاجه وتقويمه..
لا تعتقد أن كتابتك سيئة أو رديئة أو متواضعة.. مجرد وساوس شيطانية، يمكن طردها بسهولة، حينما تتذكر أن هذه الكتابة، وكما قلنا في البداية، إنما يحدد جودتها مزاج الناس. ثم، وهذا طبعًا أهم ما في الأمر، حينما تنظر للكتابة إلى كونها الجزء الممتلئ من الكوب، فهنا تكون قد تعاملت مع القضية بواقعية متناهية.. إذا كان السخاء يستر كل العيوب، كما يقول العرب، وسط خصال الإنسان، فإن الكتابة هي وحدها القادرة على سد أي نقص بين إمكانيات الصحفيين.. يحتاج الصحفي إلى أدوات كثيرة تمكنه من التعايش مع هذه الصنعة الحضارية الباقية، فيستوجب عليه امتلاك الحس العالي، والتسلح بعلاقات واسعة، وأيضًا حيازة نظرة تسويقية تستطيع تمييز ما يريده القراء، وما يتطلبه الوقت، ومع كل هذه الأدوات فإن الكتابة ستبقى مثل عامل الإنقاذ المتسمر على أطراف المسابح الخطرة لنجدة كل من تخونه حركة الماء..
إذا كنت تعمل في الصحافة، ولا تهتم كثيرًا بالكتابة، خشية ألّا ترتقي كتاباتك إلى إعجاب الآخرين، أو رضاهم، فأنت رسميًا مطالب بترتيب الأوراق والأوضاع مجددًا.. هذا كلام أقوله هنا دائمًا.. أقوله وأردده ساعيًا لترسيخه وتأكيده..
أيها الرفاق الصحفيون.. اكتبوا ولا تنتظروا إشارات الإعجاب ومعلقات المدائح.. اكتبوا واتركوا ما قيل وما يُقال، فهذه من مستوجبات مهنتكم، التي تغطي عيوبكم، وتسد نواقصكم.. الصحافة لها اشتراطات كثيرة وطويلة ومتعددة.. وأهمها وأبرزها وأوضحها هي القدرة على الكتابة.. قلت وأردد.. بأن الخبر كتابة، والحوار كتابة، والتقرير كتابة، والاستطلاع كتابة.. وبالتأكيد المقال كتابة، وطالما لديك قصور في الكتابة، فإنك بلا جدال تواجه مشكلة حيوية في صلب وعمق عملك ومهنتك.. بصوت هادئ أحاول إيصال الرسالة بوضوح ودون مقدمات أو زيادات.. مرة ثانية وثالثة وعاشرة.. اكتبوا أيها الصحفيون.. الكتابة وحدها التي يحوم حولها وعندها وأمامها ووراءها كل ما يرتبط بعملكم.. لا تنتظروا ولا تهتموا بآراء الآخرين.. أبدًا.. أبدًا.. اكتبوا والسلام.