هَزُلَتْ!
ـ الاستعانة بتعليقات كبار الفلاسفة والروائيين والكتّاب، من الأمور المُسليّة، عادةً، بالنسبة للقارئ. وهي حيلة، ووسيلة، يمكن للكتّاب استخدامها لجذب القارئ، والاستفادة منها لتغذية فكرة ما؛ وإنارة جوانبها!.
ـ لكن، ولأنّ هذه الحيلة سهلة، ويمكن للجميع استخدامها، فإنها خطرة!.
ـ هي أولًا مُغرية للكسل!. ومن هذا الكسل تأتي النقطة الثانية للخطر: تُنتِج مثل هذه الحيلة “الوسيلة” عادةً، سيلًا من أشباه الكُتّاب للصحافة، وتصنع لهم مكانةً متوَهّمة العلوّ في أذهان كثير من القرّاء!.
ـ إذ يُمكن لأي أحد، لأيّ أحد بمعنى الكلمة، الدخول إلى جهاز صغير يحمله في يده، وحشد مجموعة كبيرة من المقولات والحِكَم والأمثال. بالكثير يكفي من الوقت نصف ساعة لإتمام مثل هذه المهمّة!.
تُرَصّ بعدها هذه المقتطفات، مع تعليقات عاديّة، تفصل بين كل مقولة وأُخرى، وبذلك تكتمل المقالة!.
ـ تُدَقِّق: لا تجد أن كاتب المقالة استعان لتأييد رأيه بمثل هذه التعليقات المُقتبسة، لأنه لم يكن لديه رأي جديد من الأساس!. لقد اتكأ على سطور الآخرين دون أن يكون له ساعِد أصلًا!.
ـ تُدَقِّق أكثر، تكتشف أنه لم يكن كاتبًا بالمعنى الأدبي لكلمة كاتب، لكنه كان ناسخًا!. مهارة القصّ واللصق، لا تحتاج إلى موهبة!. وهي في وقتٍ مضى كانت تستأهل، ربما، بعض التقدير والاحترام، نظير الجهد المبذول للبحث والتنقيب في الكُتُب!، لكن ومع وجود الإنترنت، فقد سُحِب حتى هذا التقدير وذلك الاحترام، ورُمِيَا بعيدًا، وأُغْلِقَتْ دونهما الأبواب!.
ـ صحيح أنّ اختيار المرء قطعة من عقله. صحيح أيضًا أنّ الانتقاءات الفطنة بحاجة إلى موهبة وذوق. لكن الاكتفاء بها لا يصنع كاتبًا!، والاعتماد عليها يصنع كاتبًا سطحيًّا، وأوّل السّطحيَّة وأوضح أشكالها: الغرور، والنّفخة الكذّابة!.
ـ هناك في “تويتر” وفي غيره من التّطبيقات، من يكاد يقتصر على القطف، ليس في هذا أدنى شائبة وليس فيه ما يعيب، بل وفيه من نثر الجمال الكثير، لكن هذا لا يحدث إلّا مِن قِبَل أصحاب نفوس سمحة كريمة طيّبة وشديدة التّواضع، أولئك الذين لا يُقدّمون أنفسهم ككُتّاب، (مع أنّ بعضهم فيما لو فعل لأذهل)!، ويكشفون على طول الخطّ طبيعة ما يُقدّمون: قطف الورد!. وأجمل ما في قطف الورد من الكُتُب أنّ الوردة نفسها لا تموت!، تبقى على غصنها، ومع ذلك تنتقل من مكان لآخَر بعدد عشّاقها!.
ـ أمّا أن تكون كاتبًا، أنْ تُقَدِّم نفسك على أنّك كاتب، وتكون كلّ مقالاتك، قصّ ولصق، وليس لديك من الألعاب غير اللعبة المكشوفة إيّاها: الذّهاب إلى “قوقل” وكتابة: “مقولات عن…”!، وحصد ما تُظهره لك الشاشة، ثمّ الرّبط بين مقولة فلان ومقولة علّان بجملة لا تقول شيئًا ولا تمنح إضافةً، ثمّ تريد منّي الاعتراف، والتّعريف، بك كاتبًا، وتحسب رفضي أو تجاهلي إساءةً: هَزُلَتْ!.
ـ “قفلة”:
مثل هذه النّوعيّة من “الكتاتيب” ولا أقول الكُتّاب، يكشفهم عادةً أمر واحد: عدم معرفتهم بالمراجِع!. يقولون لك قال “هيجل” وقال “هيوم”، فإن سألت أحدهم: أين قال “هيجل” ما قال؟! وفي أي كتابٍ من كُتُب “هيوم” جاءت هذه العبارة؟! غيَّر الموضوع، أو أنهى الحديث، أو طلب معونة جديدة من “قوقل”، وإلى أن تصل هذه المَعُونَة، يظلّ في قلبه “يَتَحَسْبَن” عليك!.