لا شيء
دون مقابل
منظمة الصحة العالمية تقول إن 99 بالمئة من سكان العالم يتنفسون هواءً رديئًا، أرجو ألا يقول أحدكم وما هذه البشرى التي تزفها لنا؟ لا أقصد تكدير الأجواء ولكن النتيجة التي ذكرتها الصحة العالمية تذكرنا بالمثل أو المقولة: لا شيء دون مقابل.
وفعلاً لا شيء دون مقابل، فعندما كانت الأجواء أصفى وأنقى كان الإنسان يحتاج مدة ثلاثة أيام لكي يقطع مسافة 200 كيلو متر على الجمال أو الخيول في رحلة تحقق المعنى الكامل للتعب، جاءت السيارات واختصرت المسافة لساعتين، لكن هذه السرعة والراحة جاءت مقابل الهواء النقي الذي لوثته عوادم السيارات، ومقابل حركة جسد الإنسان الضرورية لصحته.
في صورة قديمة نشرت على الإنترنت أظهرت مجموعة من الناس في حارة قديمة وقبل انتشار السيارة، علقت إحدى القارئات أن كل الناس الذين في الصورة ممشوقو القوام ولا سمينًا بينهم! كان اختصار الوقت والمسافة انتصارًا، لكن المقابل جاء على حساب حركة الجسد وزيادة وزنه! والواقع أن التطور الذي سهل الحياة من ناحية يأخذ منا ما هو أبعد مما كنّا نظن أو حتى نحسب حسابه، كانت الاتصالات قفزة في تاريخ التطور.
ففي الماضي كان الواحد لكي يطمئن على أقربائه يضطر أن يقطع مسافة لكي يصل إليهم، جاء الإنترنت بوسائل تواصله ليلغي المسافات ويجعل من التواصل مكتوبًا ومسموعًا ومرئيًّا، لكن هذه الخدمات جاءت على حساب الإحساس، فرؤية الأحبة وجهًا لوجهة ولمس أيديهم وعناقهم لا تعوضها أنقى خطوط الاتصال وقوة شبكات الإنترنت. حتى البيع والشراء كان مضنيًا، فالتسوق يأخذ ساعات من المرء بالإضافة إلى تحمل الازدحام، اليوم تستطيع أن تشتري من بقالة في هولندا وأنت تجلس في بيتك، لكن هذه الخدمة السحرية أيضًا جاءت على حساب تأكدك من جودة المنتج الذي لن تتأكد من جودته إلا بعد أن تدفع وبعد أن يصلك خلال عدة أيام، لذلك صار الشراء عبر الإنترنت في كثير من الأحيان مربوطًا بمقولة أنت وحظك. أضيف لها وضمير البائع.
لا أشك لحظة أننا في العالم الأفضل، يكفي ما وصل إليه التطور لصالح صحة الإنسان وإنقاذ حياته، لكن هذا التطور العلمي هو نفسه الذي ابتكرت منه آفات كيميائية كثيرة تخيف إنسان اليوم، أرجو ألا أبدو مُحبطًا، كل ما أحاوله أن أكون قارئًا، وأن أنظر بعين متفحصة، ونحن في الآخر لا نستطيع أن نبطئ سرعة الزمن، بل في أحيان أخرى نتمنى أن تزداد سرعته لكي يكتشف العلماء ما عجزوا عن اكتشافه، خصوصًا في عالم الأدوية. يعمل العلماء اليوم على تسريع الطائرات، وأنها ستكون أسرع مرتين بعد حوالي 30 عامًا، ويقال إن الرحلة بين لندن ونيويورك ستستغرق ساعتين، أي أنك تستطيع أن تعمل في لندن وأنت مقيم في نيويورك، لا أدري على حساب من ستكون تلك السرعة، أرجو ألا تكون على حساب الـ 1 بالمئة المتبقي من جودة الهواء.