أول
ابتدائي!
منذ شهور لم أتابع فيلمًا أجنبيًا، والمقصود بالأجنبي هو الفيلم الأمريكي أولًا. وطوال الشهور كانت متابعاتي عربية، حتى وجدت نفسي أمام مجموعة من الأفلام الأمريكية وأنا على مقعد الطائرة، ولأن الرحلة طويلة بدأت بالمشاهدة، وكانت النية فيلمًا واحدًا، بدأت بالفيلم ومدته ساعتين ونصف، لم أسمح لنفسي أن أغفل عن لقطة أو حوار فيه، كان مبهرًا للدرجة التي لم أريد له أن ينتهي، مليئًا بالحوارات العميقة، وقصته مأخوذة من قصة حقيقية، وأداء الممثلين مقنع لحد النسيان بأنهم ممثلون، وإخراجه ساحرًا جعلني أنسى بأنني أشاهد فيلمًا.
لم أتردد بعد نهاية الفيلم في متابعة فيلم آخر، ووجدت نفسي معه كما في الفيلم الأول، مشدودًا مع كل ما فيه، حتى مرت ساعات الرحلة مليئة بالعاطفة والإثارة، وغزيرة بالمعاني العميقة من حوارات الفيلمين التي لا يكتبها إلا من هم بمستوى الأدباء. أفهم لماذا تحقق الأفلام الأمريكية كل هذه الإيرادات التي تجاوز بعضها المليار دولار، ويتقاضى نجومها عشرات الملايين، لقد صنعوا من السينما مصدر دخل وطني لأنهم تعاملوا معها كصناعة، ولكي تكون ناجحة فلا بد أن تكون متفوقة، فلم يسمحوا لأفلامهم أن تكون محط تجارب، لقد تجاوزا التجارب منذ عشرات السنين، وصاروا يعرفون منذ ذلك الوقت أن الأفلام لا تختلف عن صناعة الماكينات، تحتاج إلى دقة متناهية، وإلى أساسيات منها الميزانية الكافية، وطاقم عمل فائق المهارة، وتنظيم دقيق في إدارة العمل في الفيلم، والدخول في أعماق المجتمع لالتقاط حكاية مؤثرة، ومدة كافية لإنجاح العمل، حتى لو استمر أكثر من عام للتصوير. لن أمارس جلد الذات وأقارن الأفلام الأمريكية بالعربية، لأنها مقارنة غير واقعية وغير عادلة، فظروف النشأة مختلفة تمامًا، لكن بطء تقدمنا والفوارق الشاسعة بين السينما العربية وبينهم محل تساؤل: هل استفدنا منهم وكل أسرار نجاحاتهم مكشوفة؟ أم أن المسألة علم لم يصل له صنّاع السينما العربية؟ أم أن الأمر يعود لمستوى الشعور بالمسؤولية تجاه الجمهور؟ ربما شيء من هذه الأسئلة، وربما جميعها، وربما أسباب أخرى. قبل عام احتفلت السينما الأمريكية بمرور 50 عامًا على صدور فيلم العراب (1972). والعراب وحده يكفي لأن يكون مدرسة لأي مخرج أو كاتب أو ممثل، وهنا لا علاقة بالميزانية المالية، بل في معرفة كيف تصنع فيلمًا متكاملًا، أو حتى مشهدًا رائعًا. والجيد في مدرسة العراب أن لها مراجع كثيرة في كيفية صناعة الفيلم، بدءًا من اختبار القصة مرورًا باختيار الممثلين والإخراج. كما سبق وذكرت لن أمارس هنا جلد الذات، لكن الفارق بيننا وبينهم، مثل الفارق بين طالب في أول ابتدائي ودكتور في الجامعة!