2023-04-13 | 00:52 مقالات

حساب متأخر!

مشاركة الخبر      

جميل عالمنا بوجود الإنترنت، ونحن فعلًا محظوظون بخدماته العظيمة، لقد غير حياتنا منذ 30 عامًا، حتى أصبح عالم ما قبل الإنترنت لا يشبه ما بعد الإنترنت، تخيلوا قبل وجوده أن الناس كانت تسافر من أجل الحصول على كتاب، وتقطع المسافات من أجل رؤية وجوه أحبتهم وأصدقائهم، أو للتعلم في جامعة بعيدة، كل هذا وغيره تبدل إلى الأبد.
ولكن ولن أحاول قتل المتعة: ما هو الثمن؟ ما هو مقابل كل هذه التسهيلات؟ أليس لكل شيء نحصل عليه مقابل؟ اللياقة الجسدية العالية مقابلها التمارين اليومية والأكل الصحي، والوصول لوظيفة مرموقة أو لتجارة رابحة يقابلهما جهد متواصل وصبر طويل.. هكذا هي الحياة.. لكل شيء فيها مقابل، حتى الحب لا بد فيه من وجود الصبر والتضحيات والتنازل والتغافل، هذا بعض ما نقدمه مقابل الحب واستمرار الروابط، فما هو مقابل الإنترنت؟ لن أقول بأنه يسرق وقتنا، فهذه من خزعبلات الكسالى، الإنترنت لا يأخذ وقتنا للاشيء، من يريد أن يقرأ الكتب على الإنترنت إنما يستثمر وقته في القراءة، ومن يريد أن يحضر محاضرة عن بعد يستفيد من وجود الإنترنت، والإنترنت هو من اختصر الوقوف في الطوابير لدفع الفواتير وإنجاز المعاملات، ومقولة الذين يقولون إن الإنترنت يأخذ وقتنا ابتكرها الذين يضيعون أوقاتهم على الفراغ، إنهم يلقون باللوم على من أساؤوا استخدامه.
كان من الصعب اكتشاف المقابل الذي يأخذه الإنترنت مبكرًا، فالجميع كان يحتفل بالمنجز الإنساني الكبير، أما المقابل فبدأ يظهر مع السنوات، وأوله وأهمه الخصوصية، عندما يراقبك الإنترنت في أماكنك الخاصة في نطاق ملكيتك، وآخر أخبار التلصص جاءت من شركة تيسلا، وتفيد بأن عشرات آلاف الفيديوهات تم تسجيلها لمالكي سيارات تيسلا وهم يقودون سياراتهم، وأن بعض هذه التسجيلات لا يحق لتيسلا الاحتفاظ بها لأنها خاصة جدًا. الخبر يقول بأن تسجيلات تيسلا ما زالت في أروقة الشركة ولم تتسرب للعامة!. ربما يقودنا هذا الخبر إلى جزء عميق من الإجابة، بأن مفهوم الخصوصية هو المقابل الأول للإنترنت، ودفعناه ثمنًا للأبد، ودون علم ودون رغبة منا، في وقت أصبح فيه من لا يعتمد على الإنترنت يعيش خارج العالم.
* مثل شعبي قديم (لا حبتك عيني.. ما ضامك الدهر) تذكرته وأنا أقرأ رسالة الواتس أب: تزوج رجل زوجة ثانية جميلة، وكانت زوجته الأولى ترعاه لدرجة أنها تنقي له البطيخ من البذر، ولما تزوج الثانية قدمت له البطيخ ببذره، فنظر إلى البطيخ أمامه مع بذره فتذكر زوجته الأولى ودمعت عيناه وقال: حسبي الله ونعم الوكيل.. حتى البذر كانت تحرمني منه!.