العالم
الذي نعيش
ـ ولد سيباستياو سالجادو في البرازيل في قرية تحيطها الغابات من كل جانب، كانت طفولته مشبعة بألوان الطبيعة، يعرف الطيور ويحفظ أصواتها، ويعدد أنواع الحيوانات من حوله ويصادق بعضها، كانت قريته في طفولته عالمًا كبيرًا، وكان مثل كل أطفال القرى على موعد مع الحقيقة، أن قريته صغيرة لا تتسع لأحلامه، وأن يواجه هذا السر عندما يكبر. كبر سيباستياو وكان عليه مثل كل مواليد القرى أن يختار بين أمرين: إما البقاء في محدودية القرية أو الهجرة حيث أضواء المدينة وأحلامها وخيالاتها.
قرَّر سيباستياو المغادرة، وغادر حتى تجاوز البرازيل ووصل إلى فرنسا، أصبح مصورًا فوتوجرافيًّا، ولا أشك أن نجاحه في مهنته عائد إلى الصور التي التقطتها ذاكرته من طبيعة أرض ميلاده. ومثله مثل كل المغادرين من قراهم، يعيشون صخب المدينة ورفاهيتها، بينما قلوبهم معلقة في قريتهم وسحر بساطتها، ربما لأن القرى أكثر أمنًا للنفس أو لأنها هادئة، الهدوء الذي يفقده المهاجر بمجرد وصوله إلى المدينة.
بعد 30 عامًا عن القرية، وآلاف الصور التي التقطها في فرنسا وإفريقيا، كان لا يزال يمني النفس بالتقاط الصور التي لم تلتقطها كاميرته، كان يعلم بأنها ستكون الصور الأجمل والأقرب للنفس، فلا أجمل من قريته التي غادرها ولم تغادره. عندما عاد كانت قريته مجرد أرض جرداء، لا أشجار ولا طيور ولا حيوانات، كانت أرضًا صلبة قاسية. العائدون إلى قراهم بعد طول غياب يظنون أنهم سيجدون الحياة التي غادروها، يعتقدون أنها ما زالت تنتظرهم على حالها، هم ينسون أن الحياة عندما تغيرهم فإن أشياءً كثيرة تتغير، وقد تكون قريتهم واحدة منها. نادرة هي القرى التي لم تتغير بعد الغياب عنها. قرَّر سيباستياو أن يعيد قريته كما كانت عندما غادرها، وأن يزرع الأشجار التي قطعتها أيادي الطمع، وتخيلوا نتيجة الجهد خلال 20 عامًا. زرع سيباستياو بمساعدة زوجته 2 مليون شجرة، فعادت الطيور والحيوانات والنباتات، فاستعاد قريته التي لم يجدها عندما عاد. يمضي العالم بطيبة الخيرين الحكيمة، ولا توجد حكمة أنفع وأمضى من حكمة الخير. في العالم حكايات لأفراد أقوياء يملكون إيمانًا عجيبًا يولد طاقة جبّارة.
ـ يصر السعوديون في كل مناسبة أن يثبتوا أن لا حدود لكرمهم، وأنه سلوك مغروس في نفوسهم. أشعر بالفخر في كل مرة يبذلون فيها المال من أجل غيرهم، أن يحرموا أنفسهم منه من أجل فك كربة محتاج أو مديون. السعوديون وجه العالم الجميل.