تعليمات الاستخدام
كنت من النوع الذي إذا ما استعمل شيئًا، فإنه لا يقرأ التعليمات، وكل كتيب مرفق مع جهاز إلكتروني، أو سيارة، أو ساعة، كان يبقى جديدًا، لأنه لم يُفتح يومًا، هذا إذا لم يُلقَ بمجرد فتح العلبة!
كنت أتَّصف بسرعة الاستخدام، وأفقد ضرورة الاستفهام، لذا اقتصرت استخداماتي فقط على ما أعرفه مسبقًا، أو ما أكتشفه صدفةً، لكنني بذلك حرمت نفسي من كثير من الميِّزات المذكورة في الكتيب، أو أسأت الاستخدام، لأنني لم أقرأ التحذيرات المذكورة فيه أيضًا! حتى في استخدام الملابس، جاء فهمي متأخرًا في التعامل معها، وخسرت بعضها عقب استخدام واحد فقط، فهناك صوفٌ، لا يصلح غسله إلا يدويًّا، وبماء فاتر، وهذا لأنني لم أكن أقرأ المكتوب على الملصق الصغير أعلى، أو أسفل قطعة الملابس!
وأتذكَّر كيف علَّمني أحد الزملاء، أن في سيارتي مثبِّت سرعة، بينما علَّمني آخر معنى الأشكال إذا ما ظهرت على الشاشة مقابل السائق، بعد أن ارتفعت درجة حرارة السيارة، لأنني لم أفهم المؤشر الذي كان يطالبني بتزويد المحرك بالماء! في حين علَّمني زميلٌ ثالث، أن في جوَّالي تطبيقًا لتقطيع الفيديوهات عقب أشهر من استخدامي له!
سوء استخدامي لهذه الأمور، كان كله شخصيًّا، لذا بقي ضرره محصورًا بي. اليوم، في عالم الإنترنت، وما ظهر فيه من وسائل تواصل، صار من الضروري وجود كتيب تعليمات، كيلا تستمر إساءات الاستخدام، خاصةً أنها وسائل عامَّة، ولأن المفيد، أصبح يتحوَّل، لسوء استخدامه، إلى مُضرٍّ.
فعلًا، العالم في حاجة إلى كتيب، يبيَّن فيه كيف تستخدم حساباتك في مواقع التواصل، وكيف تتعامل مع شهرتك إذا ما أصبحت مشهورًا، وكيف تبقى ضمن حدودك المعرفية ولا تتجاوزها، إذ من غير المعقول أن يتحوَّل شخصٌ، حصل على شهرته من مقاطع طريفة على “تيك توك” إلى خبير في الحياة الزوجية، يقول لهذا ما يفعل، وما لا يفعل! أو تنصح إحداهن بكيفية التعامل مع الزوج مع أنها ليست مختصَّة، ويتحدث آخر عن علاجات طبية ذات تأثير سحري مع أن كل علاقته بالطب، تنحصر في التطعيمات التي أخذها في طفولته!
كنت سأتفهَّم لو أنهم تحدثوا عن تجاربهم الشخصية على شكل حكاية ضمن الحكايات، لكن معظم كلامهم تعميمٌ بتعميم، ومأخوذٌ غالبًا من تجارب شخصية، لا تمثل كل الواقع، أو لمجرد الخوض في الموضوعات، ما أظهر لنا محتوى، يضرُّ أكثر مما ينفع، فعقل الإنسان، يتأثر بما يسمع، خاصةً إذا ما سمعه ممَّن يحب، أو ممَّن يكون معجبًا به. قد يبدو وجود كتيب إرشادات حول استخدام الـ “السوشال ميديا” أمرًا يصعب تنفيذه، لكن الأصعب أن يبقى سوء الاستخدام على حاله!
* في الحياة، يفوز الطيّب والكريم والمسامح، وهي أسلحة تفوق كل أسلحة القلوب القاسية من جفاء وقسوة وبخل، وهذه وصيّةٌ ذهبيةٌ، أنقلها عن جورج برناردشو: “حينما تقسو عليك الحياة، احذر أن تصبح مثلها وتقسو على مَن حولك”.