طمع وذكاء اصطناعي!
مشاكل الإنسان من صنعه، ماهر جدًا في صنعها، والبحث عنها، واستخراجها، حتى لو اختبأت بين أكوام القش، يصنعها لأنه يستكثر على العالم أن يكون جميلًا، أو أن يكون هذا الجمال له ولفئة قليلة.
يظن بأنه يقود نفسه، بينما يقوده طمعه، الذي يخلق له مشاكله. صنع الإنسان القنابل النووية، ثم راح يقيم المؤتمرات، ويبرم المعاهدات مع النوويين، للحد من استخدامها، احتل أراضٍ بعيدة، وامتص خيراتها، ثم راح يشتكي من قوافل المهاجرين القادمين من البلدان المنهوبة بقوارب الموت، صنع آلاف الأنواع من الكحول، ثم أطلق حملات توعية عن خطر الإدمان، وعلاقة الجرائم بالكحول، لكنه ما زال ينتجها، ويزيد أنواعها، كل ذلك بدافع الطمع، إما للحصول على القوة المفرطة، أو المال السهل، دون أي اعتبارات إنسانية حقيقية، ولو كانت هناك اعتبارات إنسانية حقيقية، كما يدعي، لما وصل الأمر إلى ما يقتل الإنسان أو يمرضه ويفقره. الطمع محرك الشرور، والخطر عندما يقود الطمع العلماء، حينها يتحول علمهم إلى سكاكين، لكنها سكاكين مغلفة بما يجيزها قانونيًا. آخر المشاكل التي صنعها الإنسان، هي الذكاء الاصطناعي، والمشاكل هنا ليست في صناعة ما يساعد الإنسان، وينفعه، بل في سيطرة الفئة الصانعة على الأكثرية المستخدمة، وفي خطورة تنامي الذكاء للحد الذي لا يستطيع الصانعون من السيطرة على ما صنعوا. يعتبر جيفري هينتون عراب الذكاء الاصطناعي، وهو عالم نفس، وعالم في الحاسوب، وعمل مع جوجل منذ سنوات طويلة على تطوير الذكاء الاصطناعي، إلى أن وصل إلى ما وصل إليه. جيفري بعد أن طوّر، وحصل على أجور التطوير، خرج قبل مدة قليلة محذرًا العالم من خطر ما اشترك في صناعته، حيث قال (سيتفوق علينا ويسيطر!) وكأنه لم يكن يعرف ما كان يصنع، أو كأنه متفاجئ بالنتائج السلبية غير المتوقعة! كل ما يضر البشر لم يتسبب به مزارع أو عامل أو موظف، جميع الأضرار والأخطار جاءت من أمهر العقول، هي من صنعت القنابل النووية وكل الأسلحة المفرطة بالقوة، ووضعتها بيد المغامرين، وهي من صنعت الذكاء الاصطناعي اللا محدود من أجل منفعة القلة، التي دفعت لهم أجورهم. سوف يتبدل العالم عما قريب بشكل سريع، سنفقد الكثير من الوظائف، إلا التي لم يستطع السيد جيفري هينتون تعويضها بالذكاء الاصطناعي، فذكاؤه لن يستطيع تحفيز الموظفين. قد يصبح الذكاء الاصطناعي بديلًا عن مدربي كرة القدم، لكنه لن يستطيع إثارة حماستهم وروحهم، ولن أستغرب إذا ما أصبح معلمًا، لكنه لن يستطيع أن يعامل كل طالب حسب مقدرته وظروفه، وقد يكتب الذكاء الاصطناعي أجمل أبيات الغزل، لكنه لن يستطيع ملامسة روح الحبيبة.