قبعة ساحر وديوانية افتراضية!
اكتشفت عن نفسي شيئًا جديدًا، أنها تحب قراءة النصوص التي تهز المشاعر والعقل، تلك التي تقول ما عجزت عن قوله، أو التي تطير بي من ضفة إلى أخرى لم أعتقد أنها موجودة، عدا عن ذلك تصبح عندي القراءة عادة أو محاولة هروب من ضجيج. اليوم اخترت بعض ما عبر عن مشاعري وعلق في ذاكرتي. قيل إن البيئة مما يشكل العقل وبالتالي تفكير وتصرفات الإنسان، فإن كنت قد نشأت في بيئة زراعية فغالبًا تكون اهتماماتك بالأرض والزراعة والبذور والحصاد والمطر، ولو كنت قد نشأت في بيئة بحرية فغالبًا أنت خبير بالصيد وأنواع الأسماك ومواسم تكاثرها.
ولكن ماذا لو كانت بيئتك بيئة حرب طويلة، لا شك أنك ستحفظ أسماء الأسلحة وستعرف عيار القنابل بمجرد سماع انفجاراتها، ستتحول رسوماتك إلى رسومات دمار ووجوه باكية، أما إذا كنت شاعرًا فستتحول قصائدك من الحب والغزل وخواطر النفس إلى قصائد تشبه ما كتبته كاتيا راسم بعد أن طحنت الحرب بلادها:
أخرج لنا من قبعتك بلادًا
أخرج لنا أمهات لا يمرضن وأصدقاء لا يهاجرون
أخرج لنا بيوتًا لا تعرف الحرب عناوينها
لقد سئمنا الأرانب أيها الساحر!
الجميل في (الديوانيات) والصالونات أن لها أعرافها وأخلاقياتها، أتذكر عندما كنت أخدم في ديوانية والدي رحمه الله كنت أقاوم كل ضحكة تنتابني، فأعض داخل خدي متحملًا الألم حتى لا تخرج مني ضحكة ليست في توقيتها أو محلها، نادرًا ما كنت أتكلم في حضرة الكبار، كان كلامي عبارة عن إجابات على أسئلة عادة تكون عن الصحة والمدرسة. كان في الديوانية حكاؤون يحفظون القصص الطريفة أو تلك التي تنتهي بحكمة أو أبيات شعر، كان من مرتادي الديوانية شعراء، وخبراء في الأنساب. والحقيقة أن بعض مرتادي الديوانية كانوا أناسًا بسطاء في تفكيرهم، وكان هؤلاء في بعض الأحيان يتحولون إذا ما لم هناك ضيفًا إلى متحدثين يملؤون المكان بالضحك على مواقف حدثت لهم فظهرت حماقتهم وبان سوء تصرفهم، وكانوا هم يعلمون ببساطتهم لذا لم يكونوا من المتحدثين إلا مرات قليلة في الأسبوع، أو إذا طلب منهم ذكر حكاية من حكاياتهم الطريفة. لكنهم لم يدلوا برأيهم يومًا في أمر جاد، ولم يعلقوا على حديث قاله أحد رواد الديوانية من كبار السن أو ممن لهم مكانتهم. اليوم حلت السوشال ميديا بديلًا للكثير من الديوانيات، لكن الفارق أن السوشال ميديا أتاحت لبساط التفكير والعلم المجال في طرح آرائهم والدافع عنها والانتقاص ممن يعارضهم، بل إن بعضهم صار عنده متابعون يدافعون عنه ويشتمون من لا يتفق مع صاحبهم. ما قاله جيرهارد بولت يصف ما يحصل في السوشال ميديا وصفًا دقيقًا (المشكلة الرئيسة الآن في العالم هي أن غالبية الحمقى لم يعودوا صامتين).